الأربعاء

1446-04-27

|

2024-10-30

(ملاحظات عامة حول تولي يزيد بن معاوية ولاية العهد)

الحلقة: 47

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م

لم نعثر في المصادر التاريخية على تحديد دقيق لتلك الفترة التي بدأ فيها معاوية يفكر تفكيراً جدياً في تولية ولده يزيد من بعده خليفة المسلمين، ولكنه بالتأكيد لم يفكر إلا بعد سنة خمسين من الهجرة، وذلك بعد أن خلت الساحة من وجود الصحابة الكبار المبشرين بالجنة من أمثال: سعد بن أبي وقاص، وسعيد ابن يزيد بن عمرو، وبعد وفاة الحسن بن علي رضي الله عنهم جميعاً.

وبعد أن عُرف يزيد عن قيادته لجيش المسلمين الذي حاصر القسطنطينية، وبعدها أصبح معاوية يهيأئ الأمور لترشيح يزيد للخلافة.

وكان من الطبيعي أن يستشير زياد بن أبيه بعد ما أصبح أخاً له، وصار يقال له: زياد بن أبي سفيان، وولاه العراق. ونستخرج من الروايات التاريخية بعض الحقائق من هذه الاستشارة، من أهمها:

إن بداية الفكرة كانت من معاوية، وأنه كان يدرك أنه كان يقدم على أمر خطير، لا بل على حدث لم يسبق إليه، ولهذا اصطفى زياداً للاستشارة، وزياد هو الذي قال عنه الأصمعي: الدهاة أربعة: معاوية للروية، وعمرو بن العاص للدهاء، والمغيرة بن شعبة للبديهة، وزياد بن أبيه للمعضلات، ولهذا لم يقدم معاوية على الأمر الخطير إلا بعد وفاة زياد.

قال الطبري: لما مات زياد دعا معاوية بكتاب فقرأه على الناس باستخلاف يزيد إن حدث الموت، فيزيد ولي عهد، فاستوثق الناس، فاستوثق له الناس على البيعة ليزيد غير خمسة.

إن معاوية لم يكن يريد حين الاستشارة الاكتفاء بالعهد، وإنما أراد الناس على مبايعة يزيد وهو حي، وهو حدث جديد أيضاً لم يعهد من قبل؛ لأن الناس لم يبايعوا عمر إلا بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه.

إن زياداً قد أحسَّ خطورة الأمر، فلم يشأ بادأئ الأمر أن يكتب لمعاوية بنصيحته، بل أراد أن يحمِّلها لرسول خاص وهو عبيد الله بن كعب النميري ليؤديها عنه إلى معاوية شفهياً، وفي ذلك من الحيطة الشيء الكثير لئلا يشيع خبر الكتاب، فيحدث ما لا يحمد، ولهذا قال لعبيد: ولهذا دعوتك لأمر اتهمت عليه بطون الصحف.

إن معاوية كان يتخوف نفرة الناس، فليس العهد لولد الخليفة والخليفة حي بالأمر اليسير.

إن زياداً كان يخشى على الأمة من يزيد، ولذلك يقول: وعلاقة أمر الإسلام وضمانه عظيم، ويزيد صاحب رسالة وتهاون مع ما قد أولع به من الصيد، ولهذا أيضاً نرى في جواب عبيد له أنه سيلقى يزيد، وينقل إليه: أن زياداً يرى ترك ما ينقم عليه، وبذلك يسلم ما تخاف من علاقة.

إن زياداً كتب أخيراً إلى معاوية، ولكن لينصحه بالتؤدة وألا يعجل، فقبل ذلك معاوية.

وممن شاورهم معاوية رضي الله عنه الأحنف بن قيس، فقد روي أن معاوية لما نصَّب ولده يزيد لولاية العهد، أقعده في قبة حمراء، فجعل الناس يسلمون على معاوية، ثم يميلون إلى يزيد، حتى جاء رجل ففعل ذلك ثم رجع إلى معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين؛ اعلم أنك لـو لـم تول هـذا أمـور المسلمين لأضعتها، والأحنف بـن قيس جالس، فقال له معاوية: ما بالك لا تقول يا أبا بحر؟ قال: أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت، فقال معاوية: جزاك الله عن الطاعة خيراً، وأمر له بألوف، فلما خرج لقيه ذلك الرجل بالباب، فقال: يا أبا بحر إني لأعلم أن شر ما خلق الله سبحانه وتعالى هذا وابنه، ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال، فليس نطمع في استخراجها إلا بما سمعت، فقال له الأحنف: أمسك عليك، فإن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيهاً.

يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/16.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022