الأربعاء

1446-04-27

|

2024-10-30

(انتهاء عهد الخلافة الراشدة)

الحلقة: 46

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م

انتهى عهد الخلافة الراشدة على منهاج النبوة بتنازل الحسن بن علي لمعاوية رضي الله عنه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عضوضاً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» ثم سكت.

وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك، أو ملكه من يشاء. وقوله صلى الله عليه وسلم: «الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك» ،وإنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وهذا من دلائل نبوة سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليماً، وبذلك يكون مرحلة خلافة النبوة قد انتهت بتنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية في شهر ربيع الأول من سنة (41هـ) ، فالحديث النبوي الكريم أشار إلى مراحل تاريخية، وهي:

• عهد النبوة.

• عهد الخلافة الراشدة.

• عهد الملك العضوض.

• عهد الملك الجبري.

• ثم تكون خلافة على منهاج النبوة.

وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ستكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة، ويجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين خلفاء وإن كانوا ملوكاً، ولم يكونوا خلفاء الأنبياء بدليل ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل يسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر» قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «وفوا بيعة الأول فالأول، ثم أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم».

فقوله: «فتكثر» دليل على من سوى الراشدين فإنهم لم يكونوا كثيراً، وأيضاً قوله: «وفوا بيعة الأول فالأول» دل على أنهم يختلفون والراشدون لم يختلفوا، وقوله: فأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم.

وقد حدد ابن خلدون مدى التغير الذي حدث، فقدر أن الخلافة وإن كانت تحولت إلى ملك، فإن معاني الخلافة بقيت ـ بعضها ـ وإنما كان التغير في الوازع، فبعد أن كان ديناً انقلب عصبية وسيفاً، يقصد بذلك: أنه بعد أن كان الناس يتصرفون بوازع الدين، والخلافة شورى، صار الحكم مستنداً إلى العصبية والقوة، ولكن معاني الخلافة ـ أي: مقاصدها وأهدافها ـ بقيت، أي: أن غايات هذا الملك كانت ولا تزال تحقيق مقاصد الدين والحكم وفق الشريعة الإسلامية بالعدل، وتنفيذ الواجبات التي يأمر بها الإسلام، أي: أن الحكم أو الملك استمر إسلامياً وشرعياً.

ولخص الأدوار التي مرت بها الخلافة، فقال: فقد بيّن أن الخلافة قد وجدت بدون الملك أولاً، ثم التبست معانيها، واختلطت بالملك، ثم انفرد الملك حيث افترقت عصبية الخلافة، والله يقدر الليل والنهار.

فالدور الذي يشير إليه هو عصر الخلفاء الراشدين، وهو عصر الخلافة الخالصة أو الكاملة، والدور الثاني هو عصر الخلفاء الأمويين والعباسيين ـ ولا يمنع كذلك العثمانيين ـ وهذا عصر الخلافة المختلطة بالملك أو الملك المختلط بالخلافة، أي: الذي يحقق في الوقت نفسه مقاصد الخلافة، أما الدور الثالث فهو عصر الملك المحض الذي صار يقصد لذات الملك والأغراض الدنيوية، وانفصل عن حقيقة الخلافة أو معانيها الدينية، فهذا وصف أو تفسير ابن خلدون المؤرخ الفقيه للتطور الذي حدث، والأدوار التي مرت بها الخلافة.

إن الخلافة الحقيقية أو الكاملة أو خلافة النبوة استمرت ثلاثين عاماً، وهو عصر الخلفاء الراشدين، ثم تحولت إلى ملك، ولكن لكي نعبر عن الحقيقة يجب أن يراعى هذا التحديد، وهو أن الخلافة لم تنته أو تذهب كلية، وإنما بقيت معانيها أو مقاصدها، وأن التغيير حصل في الأساس التي قامت عليه، أما حقيقتها فقد بقيت ، فالتغيير إذاً لم يكن كلياً ولكن جزئياً ، أي : أن الخلافة في العصر الأول كانت هي الخلافة الكاملة المثالية، ثم نقصت عن المثال من وجه أو بعض الوجوه، لكن معظم عناصره بقيت، فهي خلافة أقل في الرتبة، أو خلافة مختلطة بالملك، والرأي العام في الإسلام يتمسك بالمثال، أو خلافة النبوة، أو الخلافة الكاملة، وهي تلك التي تقوم على الشورى والاختيار التام من الأمة، وأنه إذا كانت الظروف الواقعية والعوامل الاجتماعية قد حتمت أو أدت إلى هذا التطور، فإن تحمل ذلك أو قوله لا يكون إلا مؤقتاً أو من باب الضرورة، ولكن لا يلزم أن يكون المثل الكامل حاضراً دائماً في فكر الرأي العام، وبمجرد أن تزول تلك العوامل والظروف تجب العودة إلى تحقيق المثل الكامل، ولذا فإن الكتابات الإسلامية الأصلية ظلت ملتزمة ومتشبثة بالمثل الكامل، ولا تستخلص مبادئها إلا منه، وتفرق بين الخلافة وهي الخلافة الحقيقية الشرعية، والخلافة الواقعة التي بعدت قليلاً أو كثيراً عن الحقيقة.

وقد ذكر ابن تيمية: أن مصير الأمر ـ أي: الخلافة ـ إلى الملوك ونوابهم من الولاة والقضاة الأمراء ليس لنقص فيهم فقط، بل لنقص في الراعي والرعية جميعاً، فإنه كما تكونوا يولَّ عليكم، وقد قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *} [ الأنعام: 129] .

لقد ذهبت دولة الخلفاء الراشدين، وصار ملكاً، وظهر النقص في الأمراء، وكذلك في أهل العلم والدين وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء، حتى أنه لم يبق من أهل بدر إلا نفر قليل، وجمهور التابعين بإحسان انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبد الملك، وجمهور تابعي التابعين انقرضوا في أواخر الدولة الأموية، وأوائل الدولة العباسية.

يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/16.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022