(شروط الصلح بين معاوية والحسن بن علي رضي الله عنهما ونتائجه)
الحلقة: 44
بقلم: د. علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م
تحدثت الكتب التاريخية والمصادر الحديثة، وأشارت إلى حصول الصلح وفق شروط وضعها الطرفان، وقد تناثرت تلك الشروط بين كُتَّاب التاريخ، وحاول بعض العلماء جمعها وترتيبها، واستئناساً إلى ما وصلوا إليه نذكر أهم شروط الصلح، منها:
أ ـ العمل بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخلفاء:
وقد ذكر هذا الشرط مجموعة من العلماء، منهم : ابن حجر الهيثمي، حيث ذكر صورة الصلح بين الحسن ومعاوية، وجاء فيها: صالحه على أن يسلم إليه ولاية المسلمين، وأن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين المهديين، وحتى بعض كتب الإمامية ذكرت هذا الشرط، وهذا دليل على توقير الحسن بن علي لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، إلى حد جعل من إحدى الشروط على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنه يعمل ويحكم في الناس بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخلفاء الراشدين. ففي هذا الشرط ضبط لدولة معاوية مرجعيتها ومنهجها في الحياة.
ب ـ الأموال:
ذكر البخاري في صحيحه أن الحسن قال لوفد معاوية عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كرير: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به، فالحسن يتحدث عن أموال سبق أن أصابها هو وغيره من بني عبد المطلب، يريد الحسن ألا يطالبهم معاوية، ولا ذكر لأموال يطلب من معاوية أن يدفعها إليه من قادم.
وأما الروايات التي تشير بأن يجري معاوية للحسن كل عام مليون درهم، وأن يجعل إلى أخيه الحسين مليوني درهم كل عام، ويفضل بني هاشم في العطاء، والصلاة على بني عبد شمس، وكأن الحسن باع الخلافة لمعاوية، وهذه الروايات وما قيل حولها من تحليل وتفسير لا تقبل ولا يعتمد عليها؛ لأنها تصور إحساس الحسن بمصالح الأمة يبدو ضعيفاً أمام مصالحه الخاصة. أما حقه من العطاء فليس الحسن فيه بواحد من دون المسلمين، ولا يمنع أن يكون حظه منه أكثر من غيره، ولكنه لا يصل إلى عشرة معشار ما ذكرته الروايات.
ج ـ الدمـاء:
ويتضمن اتفاق الصلح بين الجانبين أن الناس كلهم امنون، لا يؤخذ أحد منهم بهفوة أو إحنة، ومما جاء في رواية البخاري: أن الحسن قال لوفد معاوية: وإن هذه الأمة عاثت في دمائها، فكفل الوفد للحسن العفو للجميع فيما أصابوا من الدماء، وقد تم الاتفاق على عدم مطالبة أحد بشيء كان من أيام علي، وهي قاعدة بالغة الأهمية تحول دون الالتفاف إلى الماضي، وتركز على فتح صفحة جديدة ترتكز على الحاضر والمستقبل، وقد تم التوافق المبني على الالتزام والشرعية، حيث تم الصلح على أساس العفو المطلق من كل ما كان بين الفريقين قبل إبرام الصلح، وبالفعل لم يعاقب معاوية أحداً بذنب سابق، وتأسس بذلك صلح الحسن على الإحسان، والعفو، وتأليف القلوب.
د ـ ولاية العهد أم ترك الأمر شورى بين المسلمين:
قيل: ومما اتفق الجانبان عليه من الشروط: أن يكون الأمر من بعد معاوية للحسن، وأن معاوية وعد أن ما حدَّث به حدث، والحسن حي يُسمينَّه، وليجعلن الأمر إليه، ولكن ابن أكثم روى عن الحسن في هذا الخصوص أنه قال: أما ولاية الأمر من بعده فما أنا بالراغب في ذلك، ولو أردت هذا الأمر لم أسلمه، وجاء في نص الصلح الذي ذكره ابن حجر الهيثمي:... بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين.
وعند التدقيق في روايات طلب الحسن الخلافة بعد معاوية، نجد أنها تتنافى مع أنفة وقوة وكرم الحسن، فكيف يتنازل عن الخلافة حقناً لدماء المسلمين، واتقاء مرضاة الله، ثم يوافق على أن يكون تابعاً يتطلب أسباب الدنيا، وتشرئب عنقه للخلافة مرة أخرى؟ والدليل على أن هذا غير صحيح ما ذكر جبير بن نفير قال: قلت للحسن بن علي أن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة، فقال: كانت جماجم العرب بيدي يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء مرضاة الله.
ومن الملاحظ أن أحداً من أبناء الصحابة أو الصحابة لم يذكروا خلال بيعة يزيد شيئاً من ذلك، فلو كان الأمر كما تذكر الروايات عن ولاية عهد الحسن بن علي، لاتخذها الحسن بن علي حجة، ولكن لم نسمع شيئاً من ذلك على الإطلاق مما يؤكد على أن مسألة خلافة الحسن لمعاوية لا أساس لها من الصحة، ولو كان الحسن رضي الله عنه أسند إليه منصب ولاية العهد في الشروط لكان قريباً في عهد معاوية من إدارة الدولة، أو تولي إحدى الأقاليم الكبرى، لا أن يذهب إلى المدينة، وينعزل عن إدارة شؤون الحكم، كما أن روح ذلك العصر يشير إلى مبدأ اختيار الأمة للحاكم عن طريق الشورى هو الأصل.
2 ـ نتائج الصلح:
إن أهم نتائج الصلح هي:
أ ـ توحد الأمة تحت قيادة واحدة.
ب ـ عودة الفتوحات إلى ما كانت عليه.
ج ـ تفرغ الدولة للخوارج.
د ـ انتقال العاصمة الإسلامية إلى بلاد الشام.
يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي