(أهم أسباب ودوافع الصلح بين معاوية والحسن بن علي رضي الله عنهما)
الحلقة: 43
بقلم: د. علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022
وأمَّا أهم الأسباب والدوافع للصلح الذي تمَّ بين الحسن ومعاوية فهي:
أ ـ الرغبة فيما عند الله وإصلاح هذه الأمة:
قال الحسن بن علي رضي الله عنه رداً على نفيـر الحضرمي عندما قال له: إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة، فقال: كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله.
ب ـ دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم له:
إن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين، دفعت الحسن إلى التخطيط، والاستعداد النفسي للصلح، والتغلب على العوائق التي في الطريق، فقد كان هذا الحديث الكلمة الموجهة والرائدة للحسن في اتجاهاته، وتصرفاته، ومنهج حياته، فقد حلت في قرارة نفسه، واستولت على مشاعره وأحاسيسه ، واختلطت بلحمه ودمه ، ومن خلال هذا التوجيه واستيعابه وفهمه له بنى مشروعه الإصلاحي، وقسم مراحله، وكان متيقناً من نتائجه، فالحديث النبوي كان دافعاً أساسياً، وسبباً مركزياً في اندفاع الحسن للإصلاح.
ج ـ حقن دماء المسلمين:
قال الحسن رضي الله عنه:..... خشيت أن يجيء يوم القيامة سبعون ألفاً، أو أكثر أو أقلُّ كلهم تنضح أوداجهم دماً، كلهم يستعدي الله، فيمَ هُرِيقَ دمه؟ وقال رضي الله عنه: ألا إن أمر الله واقع إذ ما له من دافع وإن كره الناس، إني ما أحببت أن لي من أمة محمد مثقال حبة من خردل يهراق فيه محجمة من دم، قد علمت ما ينفعني ممَّا يضرني ألحقوا بطيتكم.
د ـ الحرص على وحدة الأمة:
قام الحسن بن علي رضي الله عنه في إحدى مراحل الصلح فقال: أيها الناس، إني قد أصبحت غير محتمل على مسلم ضغينة، وإني ناظر لكم كنظري لنفسي، وأرى رأياً فلا تردوا عليَّ رأيي، إن الذي تكرهون من الجماعة أفضل مما تحبون من الفرقة.
وقد تحقق بفضل الله، ثم حرص الحسن على وحدة الأمة، ذلك المقصد العظيم فقد ارتأى رضي الله عنه أن يتنازل عن الخلافة حقناً لدماء المسلمين، وتجنباً للمفاسد العظيمة التي ستلحق الأمة كلها في المال إذا بقي مصراً على موقفه من استمرار الفتنة، وسفك الدماء، وقطع الأرحام، واضطراب السبل، وتعطيل الثغور وغيرها، وقد تحققت ـ بحمد الله ـ وحدة الأمة بتنازله عن عرض زائل من أعراض الدنيا حتى سُمِّي ذلك العام: عام الجماعة، وهذا يدل على فقه الحسن في معرفته لاعتبار المالات، ومراعاته التصرفات.
ه ـ مقتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه:
ومن الأسباب التي دعت أمير المؤمنين الحسن بن علي إلى الصلح ما روَّع من مقتل أبيه، فقد ترك ذلك فراغاً كبيراً في جهة العراق، وأثر اغتياله على نفسية الحسن رضي الله عنه، فترك فيها حزناً وأسىً شديدين، فقد قتل هذا الإمام العظيم بدون وجه حق، ولم يرعَ الخوارج سابقته في الإسلام وأفضاله العظيمة، أو خدماته الجليلة التي قدمها للإسلام، فقد كانت حياته حافلة بالقيام والمثل والعمل على تكريس أحكام الشريعة على مستوى الدولة، والشعب. لقد كان عليّ رضي الله عنه معلماً من معالم الهدى، وفارقاً بين الحق والباطل، فكان من الطبيعي أن يتأثـر المسلمين لفقـده، ويشـعروا بالفـراغ الكبيـر الذي تركه، فقد كان وقـع مصيبة مقتله على المسلمين عظيمـاً، وجلَّلهم الحزن، وفاضت ماقيهم بالدموع، ولهجت ألسنتهم بالثناء والترحم عليـه، وكـان مقتله سـبباً في تزهيد الحسن في أهـل العـراق ؛ أولئـك الذيـن غمرتهم مكـارم أخـلاق أمير المؤمنين، وشـرف صـحبته، فأضلتهم الفتـن والأطمـاع، وانحرفوا عـن الصراط المستقيم، ونستثني مـن أولئك الصادقين المخلصين لدينهم وخليفتهم الراحل العظيم رضي الله عنه وأرضاه؛ فقد كان مقتله ضربة قوية وجهت لعهد الخلافة الراشدة، وكانت من أسباب زوالها.
و ـ شخصية معاوية:
إن تسليم الحسن بن علي الخلافة إلى معاوية، مع أنه كان معه أكثر من أربعين ألفاً بايعوه على الموت، فلو لم يكن أهلاً لها لما سلمها السبط الطيب إليه، ولحاربه.
ز ـ اضطراب جيش العراق وأهل الكوفة:
كان لخروج الخوارج أثر في إضعاف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، كما أن الحروب في الجمل وصفين والنهروان تسببت في ملل أهل العراق من الحرب ، ونفورهم منها ، خاصة أهل الشام في صفين ، فإن حربهم ليست كحرب غيرهم، فمعركة صفين الطاحنة لم تفارق مخيلتهم، فكم يتمت من الأطفال، ورملت من النساء بدون أن يتحقق مقصودهم، ولولا الصلح أو التحكيم الذي رحب به أمير المؤمنين علي وكثير من أصحابه لكانت مصيبة على العالم الإسلامي، لا يتخيل اثارها السيئة، فكان هذا التخاذل على المسير مع علي رضي الله عنه إلى الشام مرة أخرى إلى فريق منهم، وتميل إليه نفوسهم وإن كانوا يعلمون أن علياً على حق، فقد استلم الحسن رضي الله عنه الخلافة، وجيش العراق مضطرب، وأهل الكوفة مترددون في أمرهم، وهذا ليس على إطلاقه، فجيش الحسن يمكن تقويته، كما أن هناك فضائل منه على استعداد للقتال على رأسهم قيس بن سعد الخزرجي وغيره من القادة.
ح ـ قوة جيش معاوية:
وفي الجانب الاخر كان معاوية رضي الله عنه يعمل بشتى الوسائل سراً أو علانية على إضعاف جانب أهل العراق منذ عهد علي رضي الله عنه، فاستغل ما أصاب جيشه من تفكك وخلاف، واجتمعت لمعاوية عوامل ساعدت على قوة جبهته، منها: طاعة الجيش له، واتفاق الكلمة عليه من أهل الشام، وخبرته الإدارية في ولاية الشام، وثبات مصادره المالية، وعدم تحرجه من دفع الأموال من أجل تحقيق أهدافه التي يراها مصلحة للأمة.
يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي