الأربعاء

1446-04-27

|

2024-10-30

(الظروف العامة لبيعة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه)

الحلقة: 45

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1443 ه/ يناير 2022م

بتنازل الحسن بن علي رضي الله عنه اكتملت عوامل تولي معاوية للرئاسة، وتهيأت له جميع أسبابها، فبويع أمير المؤمنين عام (41هـ) وسمي هذا العام (بعام الجماعة).

وسجل في ذاكرة الأمة عام الجماعة، وأصبح هذا الحديث من مفاخرها التي تزهو به على مر العصور وتوالي الدهور، فقد التقت الأمة على زعامة معاوية، ورضيت به أميراً عليها، وابتهج خيار المسلمين بهذه الوحدة الجامعة، بعد الفرقة المشتتة، وكان الفضل في ذلك لله، ثم للسيد الكبير مهندس المشروع الإصلاحي العظيم الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويعد عام الجماعة من علامة نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفضيلة باهرة من فضائل الحسن، ولا يلتفت إلى ما قاله العقاد من فهم غير صحيح عن عام الجماعة في هجومه الخاطأئ على المؤرخين الذين سموا سنة (41هـ) بعام الجماعة، فقد قال: فليس أضل ضلالاً، ولا أجهل جهلاً من المؤرخين الذين سموا عام (41هـ) بعام الجماعة؛ لأنها السنة التي استأثر فيها معاوية بالخلافة فلم يشاركه أحد فيها؛ لأن صدر الإسلام لم يعرف سنة تفرقت فيها الأمة كما تفرقت في تلك السنة، ووقع فيها الشتات بين كل فئة من فئاتها كما وقع فيها.

والعقاد ـ رحمه الله ـ لم يأت بجديد في حكمه الخاطأئ بل سبقه إليه كثير من مؤرخي الإمامية، ويكفي معاوية فخراً أن كل الصحابة الأحياء في عهده بايعوه، فقد اجتمعت الأمة على معاوية وبايعه علماء الصحابة والتابعين، وعدوا خلافته شرعية، ورضوا إمامته، ورووا أنه خير من يلي أمر المسلمين، ويقوم به خير قيام في تلك المرحلة، فروي عن الأوزاعي أنه قال: أدركت خلافة معاوية عدة من أصحاب رسول الله، منهم: سعد، وأسامة، وجابر، وابن عمر، وزيد بن ثابت، ومسلمة بن مخلد، وأبو سعيد الخدري، ورافع بن خديج، وأبو أمامة، وأنس بن مالك، ورجال أكثر مما سميت بأضعاف مضاعفة، كانوا مصابيح الهدى، وأوعية العلم حضروا من الكتاب تنزيله، وأخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويله، ومن التابعين لهم بإحسان إن شاء الله، منهم المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن محيريز في أشباه له كلهم بايعوا معاوية.

وقال ابن حزم: فبويع الحسن، ثم سلم الأمر إلى معاوية، وفي بقايا الصحابة من هو أفضل منهما بلا خلاف، ممن اتفق قبل الفتح وقاتل، وكلهم أولهم عن اخرهم بايع معاوية، ورأى إمامته.

فالصحابة لم يبايعوا معاوية رضي الله عنه إلا وقد رأوا فيه شروط الإمامة متوفرة، ومنها العدالة، فمن يطعن في عدالة معاوية وإمامته فقد طعن في عدالة هؤلاء الصحابة جميعهم، وخوَّنهم، وتنقصهم، فمن رضيه هؤلاء لدينهم ودنياهم ألا نقبله ونرضى به نحن؟

ومن قال: لعلهم بايعوا خوفاً فقد اتهمهم بالجبن وعدم الصدع بالحق، وهم القوم المعلوم من سيرتهم الشجاعة والشهامة وعدم الخوف في الله لومة لائم.

وفي مبايعة سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي لمعاوية درس بليغ وفهم عميق لايات النهي عن الاختلاف، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *}[الأنعام: 153].

فالصراط المستقيم هو: القرآن والإسلام والفطرة التي فطر الناس عليها، والسبل هي: الأهواء والفرق، والبدع، والمحدثات، قال مجاهد: ولا تتبعوا السبل: يعني البدع والشبهات والضلالات.

ونهى الله سبحانه هذه الأمة عما وقعت فيه الأمم السابقة من الاختلاف والتفرق من بعد ما جاءتهم البينات، وأنزل الله إليهم الكتب فقال سبحانه: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *} [ آل عمران: 105]. وقد أمر الله تعالى بالاعتصام بحبله، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} [ آل عمران: 103] .

لقد تحقق بفضل الله ـ تعالى ـ ثم بنجاح الحسن بن علي في صلحه مع معاوية مقصد عظيم من مقاصد الشريعة من وحدة المسلمين واجتماعهم. ولا ينظر للحديث الضعيف الذي رواه ابن عدي من طريق علي بن زيد، وهو ضعيف عن أبي نفرة، عن أبي سعيد من حديث مجالد، وهو ضعيف أيضاً عن أبي الوداك عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه». أسنده أيضاً من طريق الحكم بن ظهيرة، وهو متروك: وهذا الحديث كذب بلا شك، ولو كان صحيحاً لبادر الصحابة إلى فعل ذلك؛ لأنهم كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم.

يمكنكم تحميل كتاب التداول على السلطة التنفيذية من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/16.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022