هل كان إبراهيم خليل الله(عليه السّلام) يتكلم العربية القديمة؟
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 5
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1443 ه/ يونيو 2022م
يرى الشيخ محمد رشيد رضا بأنّ إبراهيم - عليه السّلام - كان يتكلم العربية القديمة التي هي قريبة من عربية جُرهم، ويقول: ومن المعروف في كتب الحديث والتاريخ العربي القديم بأن إبراهيم أسكن ابنه إسماعيل مع أمه هاجر المصرية - عليه السّلام - في الوادي الذي بُنيت في مكة بعد ذلك، وأن الله تعالى سَخَّر لهما جماعة من جُرهم، سكنوا معهما هنالك وبأن إبراهيم - عليه السّلام - كان يزورهما، وأنه هو وولده إسماعيل بنيا بيت الله المحرم، ونشرا دين الإسلام في البلاد العربية.(1)
ويظهر من ذلك أن العربية القديمة هي لغة سيدنا إبراهيم وهاجر، ولغة حمورابي وقومه ولغة قدماء المصريين أو اللغة الغالبة في ذينك القطرين، وأنها على ما كان فيها من الدخيل اللساني الكلداني والمصري، وكانت قريبة جداً من العربية الجُرهمية، ولذلك كان الذين ساكنوا هاجر مع جُرهم يفهمون منها وتفهم منهم، وقد ثبت في صحيح البخاري،(2) وهو أن إبراهيم زار إسماعيل مرّة، فلم يجده وتكلم مع امرأته الجُرهمية ولم تعجبه، ثم زاره مرة أخرى فلم يجده، وكانت عنده امرأة أخرى، فتكلم معها فأعجبته.(3)
ومع أن الأدلة التي أوردتها آنفاً لها أهمية علمية، فهي- حسب ما أرى - تبلغ درجة اليقين والقطع، ولا تغدو أن تكون نظريات واستنتاجات عقلية في أمور تاريخية تتعلق بحقبة "ما قبل التاريخ"، ووصف إبراهيم - عليه السّلام - بالعروبة يعتمد على تعريفنا لها، ومفهومها في تلك الأيام يختلف عن فهمنا لها اليوم، وعلى أي حال، فإن الخوض في هذه المسائل ليس له جدوى، وقد يؤدي إلى بعض الحساسيات القومية والعنصرية، ويثير نوعاً من النعرات بين العرب وغير العرب من المسلمين نحن في غنى عنه، وحال المسلمون في فرقة وتشتت اليوم .(4)
ويرى الأستاذ العقاد: إنَّ أصحَّ نسبة يُنسب إليها إبراهيم - عليه السّلام - عروبته، ولكنها تبدو لمن يسمعها كأنها غريبة، يُقال لمن يزعمها: من أين جئت بهذه الأحدوثة التي لما نسمعها قبل الآن،(5) فلا يُقال عن إبراهيم أنه إسرائيلي؛ لأنَّ يعقوب هو أول من تسمى بإسرائيل ويعقوب حفيد إبراهيم، ولا يقال عن إبراهيم أنه يهودي؛ لأنَّ اليهودي ينسب إلى يهودا، رابع أبناء يعقوب، ولم ينسب إليه إلا بعد أن أصبح اسمه علماً على الإقليم الذي قسم له عند تقسيم الأرض بين أبناء يعقوب، ولا يقال عنه: إنَّه عبري إذا كان المقصود بالعبرية لغة مميزة بين اللغات السامية تتفاهم بها طائفة من الساميين دون سائر الطوائف، فإنَّ إبراهيم كان يتكلم بلغة يفهمها جميع السكان في بقاع النهرين وكنعان، ولم تكن العبرية قد انفصلت عن سائر اللغات السامية في تلك الأيام. (6)
وقد يقال عنه: إنَّه ساميّ ينتمي إلى سام بن نوح، ولكنها نسبة إلى جدّ، وليست نسبة إلى قوم، وقد تكلم باللغة السامية أناس أحباش، وهم ليسوا من السريان ولا من الآراميين ولا الحميريين، فإذا فتشنا عن نسب لإبراهيم - عليه السّلام - لم نجد أصدق من نسبه العربي، كما كانت العربية حينذاك من جزيرة العرب ومناطق الهلال الخصيب.
وأصحُّ التقديرات أنه نشأ في أسرة حديثة عهد بالهجرة من شمال اليمن إلى جنوب العرب، وكانت هذه الأسرة مع الذين جاؤوا من "أرض البحر" -كما كان البابليون يُسمُّون العرب المقيمين على مقربةٍ من خليج فارس- وقد وردت أسماء العرب التي لا شكَّ فيها بين الأسر المالكة في جنوب بابل خلال عهد طويل يحيط بفترة الخليل إبراهيم على أقدم تقديراته .(7)
ويؤيّد محمد بيومي مهران ما قيل عن عروبة إبراهيم - عليه السّلام -، فيذكر أن قوم إبراهيم خرجوا من قلب الجزيرة العربية التي نشأ فيها جماعة من جماعات الساميَّة المختلفة، وأنه - عليه السّلام - كان عربيّاً خالصاً من سلالة العرب العاربة التي يرتفع نسبُها إلى سام بن نوح - عليهما السلام -، وأنَّه أبو العرب العدنانيّة الذين هم أبناء ولده إسماعيل، وهو بهذا جدّ العرب قبل أن يكون جدّ الإسرائيليّين .(8
مراجع الحلقة الخامسة:
(1) إبراهيم عليه السلام ودعوته في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص 32.
(2) صحيح البخاري، كـ الأنبياء، رقم (9)،
(3) تفسير المنار (تفسير القرآن الحكيم)، محمد رشيد رضا، (7/535).
(4) إبراهيم عليه السلام ودعوته في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص33.
(5) إبراهيم أبو الأنبياء، عباس محمود العقاد، ص. ص289،291.
(6) إبراهيم عليه السلام ودعوته في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص31.
(7) إبراهيم عليه السلام ودعوته في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص31.
(8 الأميري، المرجع نفسه، ص32.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي