ملاحظات حول المرحلة التاريخية التي سبقت رسالة إبراهيم خليل الله (عليه السّلام)
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 6
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ذو القعدة 1443 ه/ يونيو 2022م
سبقت رسالة إبراهيم - عليه السّلام - عدة رسالات سماوية كرسالة نوح وهود وصالح وقبلهم آدم، وقد كتبت كتابين عن المراحل السابقة لعهد إبراهيم الخليل - عليه السّلام -، وهما: كتاب "نوح عليه السّلام والطوفان العظيم"، وكتاب "قصة بدء الخلق وخلق آدم عيله السلام"، وإنَّ النّية معقودة على الكتابة في سيرة هود وصالح - عليهما السلام - بإذن الله، وهذا لا يمنع أن نتحدث عمّن سبق إبراهيم - عليه السّلام - من قادة الإنسانية من أنبياء ورسل الرسالات السماوية مثل نوح وهود وصالح باختصار؛ لأنّ دراسة سيّر الأنبياء والمرسلين تبيّن للباحث والقارئ مسار الحضارة القديمة وتطورها، التي تدين لها البشرية في كثير من مجالات تطور وتمدن حياتها في مواطن بعثة الأنبياء أو قريبة منها حتى وقتنا الحاضر. (1)
وإنَّ تلك المواطن تقع فيها ما يُسمّى بالمشرق العربي أو الشرق الأوسط، وخاصّة في الجزء الطيب في مناخه وفي أرضه، والذي يتخلله أنهار النيل ودجلة والفرات.
وقد ازدهرت على تلك المواطن، ابتداء من الألف الخامس قبل الميلاد، حضارات عظيمة ورائدة عن بقية العالم، ومنها الحضارة السومرية والمصرية والبابلية والآشورية وغيرها.(2)
ولا يخفى علينا أنه قامت حضارات في مناطق أخرى بعيدة منها الحضارة الصينية مثلاً التي نشأت على ضفاف الأنهار،(3) ولكن نظراً لعزلتها وبُعدها عن موطن بعثة الأنبياء، فلم تكن لها الأسبقية في الظهور.(4)
إنَّ منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط الممتدة إلى الجزيرة العربية، تعرف بأنها أرضُ الحضارات ومهدُ الديانات السماوية، فهي منبع الدورة الحضارية الدموية في الأرض، والشعوب التي أقامت الحضارات تنتمي لأبناء نوح عليه السّلام ومعظمهم من المؤمنين من أقوام العرب البائدة عاد وثمود (الهالكين)، حيث نزحت من أرض الجزيرة العربية بسبب ما ابتلى الله تعالى به آباءهم من الكوارث المهلكة كعقاب مباشر على إنكارهم دعوة الرسل على إفسادهم وبطرهم وسوء تدبيرهم وشرورهم.
وإنَّ تحرك الجماعات الإنسانية القديمة من مواطنها باحثة عن بيئات جديدة ليست بعيدة عنها، حيث يتوفر فيها الاستقرار والماء الوفير وموارد العيش الكريم، ولأنها طبيعة الإنسان، وجدت تلك الجموع مبتغاها على ضفاف أنهار دجلة والفرات والنيل، وبدأت عملية التنقيب والاستلهام عن أحسن ما في إنجازات آبائهم المادية والتنظيمية، وطوّروا تقنيات عصرهم ونظمهم الإدارية ووسائل عيشهم، وبدأت تتشكل التجمعات البشرية، ونمت إلى كيان الدولة المترامية الأطراف، ونظم الحكم الملكي والإمبراطوري.
وفي خضم ذلك التحول إلى مرحلة الدولة المسؤولة، بعد أن نجح الإنسان القديم في إقامة حضارات حول الأنهار الكبرى في الشرق الأوسط، وفي إرساء نظام حكم على أساس ملك يتوارثه كأنه منحة مقدسة يسوس به مجتمعاته بقواعد المنظومات التي اقتنع بها في مجال العقيدة والأخلاق والاقتصاد والحياة الاجتماعية والعسكرية، وظهر إبراهيم - عليه السّلام - بين قومه في أور البابلية جنوب العراق،(5) بعد أن انحرف الناس عن التوحيد وإفراد الله - عزَّ وجل - بالعبودية، ووقعوا في حبائل إبليس ووسائل الشيطان وعبدوا الأوثان والأصنام والنجوم والكواكب والبشر من دون الله، ونسوا دعوة نوح وهود وصالح - عليهم السلام - وانحرفوا عنها انحرافاً كبيراً.
مراجع الحلقة السادسة:
(1) سنن الله في الحضارة الإنسانية، أحمد سريرات، ص43.
(2) المرجع نفسه، سريرات، ص42.
(3) من أراد الاطلاع على بعض أوجه الاختلاف بين الحضارات القديمة المعربة والسومرية والصينية وغيرها، فليراجع كتاب "الحضارة دراسة في أصول وعوامل قيامها وتطورها"، حسين مؤنس،
(4) سنن الله في الحضارة الإنسانية، أحمد سريرات، ص43.
(5) سنن الله في الحضارة الإنسانية، أحمد سريرات، ص45.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي