تأملات في الآية الكريمة: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 104
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1444ه / أكتوبر 2022م
يبدأ إبراهيم - عليه السّلام - بأبيه وليس بأحد غيره ثم بقومه، وذلك عين منطق العقلاء، فالإنسان الساعي لمشروع التغيير إلى الحق ينبغي أن يبدأ بنفسه أولاً ثم بمن حوله من الأقربين ليغيّر واقعه وواقعهم، ثم ينتقل إلى الأبعد فالأبعد.
وإنّ أهل المرء هم أولى الناس به، وهم أولى أن يقوم هو بدعوتهم للحق وإصلاح حالهم، فالأب والأم والأخ والأخت والابن وهكذا هم أوّل وأهم المسؤوليات التي تقع على عاتق المرء، من جانب العقيدة بشكل خاص، والدين والفضيلة بشكل عام.
وبدأ الحوار بأول خطوة {قَالَ}، والقول أداة مهمة من أدوات التغيير والتأثير في الآخرين، فكم من ضالٍ هدته كلمة حق، وكم من معاند انصاع لقول حكيم، وكم من قاسٍ لانَ بفعل قول رقيق والعكس صحيح؛ فمثلما يؤثر القول إيجابياً، فإنه يؤثر سلبياً كذلك، فلقد وجّه إبراهيم - عليه السّلام - سؤالاً مباشراً وواضحاً لهم والسؤال كان: {مَا تَعْبُدُونَ}؟
وهو - عليه السّلام - يعرف الجواب، مثلما هم يعرفون الجواب، فهم يعبدون الأصنام، ولقد كان سؤاله بـــــــ {مَا}، وهي في اللغة تستخدم لغير العاقل، وإلا فالسؤال للعاقل بـــــ "من"، فكان في السؤال لسعة وإثارة لهم ولسان حاله، يقول: أتعبدون غير عاقل، هل أنتم مجانين؟ أتعبدون تُرّهات؟ ولذلك جاء جوابهم ساذجاً(1).
كان سؤال إبراهيم الخليل - عليه السّلام - سؤال استهجان واستنكار، وسؤال استدلال ليظهر لهم بطلان هذه العبادة؛ لأنَّ العبادة أن يطيع العابد المعبود فيما أمر وفيما نهى، فالذين يعبدون الأصنام بماذا أمرَتهم وعمّ نهتهم؟ إذن: فهي آلهة دون منهج، وما أسهل أن يعبد الإنسان مثل هذا الإله الذي لا يأمره بشيء ولا ينهاه عن شيء، وكذلك هي آلهة دون جزاء ودون حساب؛ لأنّها لا تثيب من أطاعها ولا تعاقب من عصاها، ونعلم أنَّ الإله الحق له أوامر لا بُد أن تنفّذ، وله نواهٍ لا بُد أن تترك، وله منهج ينظّم للناس حركة الحياة، وأما عبادة الأصنام لا أوامر ولا نواهٍ ولا منهج ينظّم حركة الحياة، وهذا خبلٌ واضح، وسقوط في حبال إبليس اللعين(2).
مراجع الحلقة الرابعة بعد المائة:
(1) ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص31.
(2) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (17/10591).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي