الخميس

1446-06-25

|

2024-12-26

إشراقات قرآنية: سورة الإخلاص

الحلقة 181

بقلم: د. سلمان بن فهد العودة

صفر 1442 هــ / سبتمبر 2021

* سورة الإخلاص أعظم سور القرآن الكريم، وحين يَدْلِفُ المرء إلى تفسير هذه السورة العظيمة يحس بالهيبة، ويشعر أنه ينبغي عليه أن يتهيَّأ نفسيًّا بقدر من الصفاء واليقين للدخول إلى هذا الحرم القدسي الذي فيه مباحث تتعلق بذات الرب سبحانه وأسمائه وصفاته.

* تسمية السورة:

لهذه السورة أسماء كثيرة، وكثرة الأسماء تكون دليلًا على عظمة المسمَّى، فقد ذكر الفخر الرازي لها عشرين اسمًا، وغالبها أوصاف.

منها: «سورة الإخلاص»، وسمِّيت به في معظم المصاحف وكتب التفسير، ولعله أشهر أسمائها، وسمِّيت به لما تضمنته من التوحيد والثناء على الله.

ولأجل هذا سُمِّيت «سورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُون}»: «سورة الإخلاص» أيضًا؛ إذ بين السورتين ارتباط عقدي، وتعبدي؛ فـ«سورة الكافرون» فيها البراءة من الشرك، و«سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}» فيها إثبات التوحيد، والإنسان بحاجة إلى التخلية قبل التحلية، أي: التخلية من الشرك قبل التحلية بحقائق الإيمان.

ولهذا يقول العلماء: إن للإخلاص ركنين: النفي، والإثبات.

ويقول بعضهم: الحق ركنان: بنَّاء، وهدَّام، فركن الهدم: «سورة {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُون}» التي هدمت الأوثان المعبودة من دون الله عز وجل، وركن البناء: «سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}» التي جاءت لبناء التوحيد لله الواحد القهار.

ومن أسمائها: «سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}»، فقد جاء في أكثر من حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن «{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} تعدل ثلث القرآن». وهو مروي عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم.

و«سورة الله الواحد الصمد»، وهذا الاسم جاء في «صحيح البخاري»، وفي «السنن» أيضًا.

و«سورة الصمد»، كما ذكره غير واحد من أهل الحديث والتفسير؛ وذلك لأن هذا الاسم الشريف لم يذكر في القرآن في غير هذا الموضع.

وتُسَمَّى مع {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس} بـ«المعوِّذات»، كما سيأتي في «سورة الفلق».

* عدد آياتها: أربع آيات، وقيل: خمس آيات، باعتبار قوله: {لَمْ يَلِدْ} آية، و{وَلَمْ يُولَد} آية.

* توقيت نزولها:

هي مكية عند جمهور العلماء، وهو الأقرب؛ لملاحظة قصر آياتها، كما هو الشأن في السور المكية غالبًا، وخلوصها في تقرير العقيدة، ومن المعلوم أن الآيات والسور المكية كانت تُعنى ببيان العقيدة، وغرسها في النفوس دون ربطها بالأحكام، أما السور المدنية فهي تشتمل على أحكام الحلال والحرام وأمور التشريع.

ولِما ذُكر في سبب النزول، فقد جاء عند الترمذي، وغيره، أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسُب لنا ربك. أي: ما نسبته، وما هو؟! فأنزل الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}.

وقد ورد أن أهل الكتاب جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه هذا السؤال، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجواب نفسه، وهو هذه السورة.

ولا يمنع أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم تلاها على اليهود الذين جاوروه بالمدينة حين سألوه عن الله عز وجل، وقد كانوا يسألون على سبيل التعنُّت.

وهكذا نصارى نجران جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه، فأجابهم بنحو ذلك.

ولا ينافي هذا أن تكون السورة نزلت قبل ذلك بمكة، وقد يكون بعض الرواة ظن أن وقت تلاوتها عليهم كان وقت نزولها.

* فضلها:

ذكر الدارقطني، وغيره أنه لم يرد في فضل سورة من القرآن ما ورد في فضلها، سواء من حيث كثرة الروايات، أو من حيث صحتها.

ويكفي في فضلها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنها تعدل ثلث القرآن». وجاء من طرق كثيرة، وصنَّف فيه الإمام ابن تيمية: «جواب أهل العلم والإيمان بتفسير ما أخبر به رسول الرحمن بأن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} تعدل ثلث القرآن».

وأما معنى كونها تعدل ثلث القرآن: فقد ذهب بعض العلماء إلى أن ذلك من جهة أن القرآن الكريم، إما أن يكون أحكامًا، أو يكون أخبارًا عن الماضي أو عن الغيب، أو يكون توحيدًا وعقائد، وهذه السورة تخلَّصت وتمحضت للكلام عن التوحيد والإيمان والعقائد، فصارت تعدل ثلث القرآن من حيث النظر إلى موضوع السورة وتعلقها بقضية التوحيد.

وذهب آخرون في معنى ذلك إلى أن القرآن إما خبر أو إنشاء، فالإنشاء هو الأوامر والنواهي، والأخبار إما أخبار عن الله، وإما أخبار عن الخلق، وهذه السورة خبر عن الله عز وجل، فصارت ثلث القرآن بهذا الاعتبار.

وذهب فريق ثالث من العلماء إلى القول بأنها ثلث القرآن في الأجر، من غير أن يقصدوا المعنى، فمَن قرأ هذه السورة فله أجر مَن قرأ ثلث القرآن، مع أنها لا تعدل ثلث القرآن في الأحكام، ولو أن إنسانًا قرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} ثلاث مرات في الصلاة، فلن تجزئه عن قراءة الفاتحة؛ إذ ليس المقصود أنها تعدله من كل وجه.

وذكر ابن عبد البر أن السكوت في هذه المسألة وما كان مثلها أفضل من الكلام فيها وأسلم.

ولعل مراده الإشارة إلى أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تعدل ثلث القرآن». أراد به الإشادة بفضلها، وعظمة معانيها، ودقائق أسرارها، وأن العبد لو أكثر من قراءتها وتدبرها لنفعه الله تعالى بها نفعًا عظيمًا، وهذا كافٍ دون الحاجة إلى الخوض في سر كونها تعدل ثلث القرآن.

سلسلة كتب:

إشراقات قرآنية (4 أجزاء)

للدكتور سلمان العودة

متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي:

http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022