الخميس

1446-06-25

|

2024-12-26

إشراقات قرآنية: سورة المَسَد

الحلقة 180
بقلم: د. سلمان بن فهد العودة

محرم 1442 هــ / سبتمبر 2021

* {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَب}:
قد يكون هذا الرفع على الاستئناف.
وكنيتها: أم جَمِيل، واسمها: أَرْوَى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان، وعمة معاوية رضي الله عنهما، فهي امرأة شريفة في ذؤابة قريش نسبًا ورِفعة ومكانة، وكانت من سيدات نساء قريش، ولكن علاقتها مع أبي لهب وانسجامها معه وتقبلها لما هو عليه جعلها أيضًا شديدة العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم.
وسبب وصف امرأة أبي لهب بحَمَّالة الحطب- على قول بعض المفسرين-: إنها كانت تحمل الحطب والشوك وتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى يعقر إذا مرَّ بالطريق، وهذا محتمل.
لكن روى ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد- وحسبك به في التفسير- أنه فسَّر هذه الآية تفسيرًا آخر، فقال: كانت تمشي بالنميمة.
وعلى هذا فمعنى كونها حمالة الحطب: أنها كانت تمشي بالنميمة، وبالكلام الذي يوقد نيران العداوة والبغضاء بين الناس كما تُوقد النيران بالحطب.
وهكذا رُوي عن قتادة والحسن وعكرمة أنها كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض.
والعرب تقول: فلان يحطب على فلان، أي يجمع أخطاءه وأغلاطه، وما يقال فيه، وما ينسب إليه، ويزيد من كيسه.
وكأن هذا أنسب مع حال المرأة؛ لأنها كانت شريفة، ومثلها لا تباشر المهنة بنفسها.
ولا يبعد أن تقوم بذلك لما تجده في نفسها، أو أن تكون فوَّضت بعض خدمها أن يقوم بحمل الحطب وإلقائه في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ونسب إليها على سبيل المجاز.
* {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَد}:
بين الجِيد والعنق فرق، فإن العرب لا يذكرون الجِيد غالبًا إلا إذا كان جميلًا طويلًا، فإذا أرادوا الثناء على المرأة قالوا: جِيدها كأنه إبريق فضة.
والغالب أنهم إذا ذكروا الجِيد ذكروا موضع القِلادة، كما قال امرؤ القيس:
وجِيدٍ كجيدِ الرِّئْمِ ليسَ بفاحشٍ * إذا هـي نصَّـتـْهُ ولا بمُعَـطَّلِ
وذكر موضع القلادة فقال:
ترائبُها مَصْقولةٌ كالسَّجَنْجَلِ
ولذا بيَّن قلادتها هنا وأنها {حَبْلٌ مِّن مَّسَد} فهذه قلادتها في النار؛ والله أعلم؛ لأنه لم يكن يعرف أنه كان يوضع في عنقها في الدنيا حبل من مَسَد، والـمَسَد هو: اللِّيف الشديد الخشن، والعرب كانت تفتل الحبال فتلًا قويًّا من ليف أو من غيره.
ابتدأ الله تعالى السورة بذكر أبي لهب، وأنه سيصلى نارًا ذات لهب، واختتمها بذكر امرأته، وأن في جِيدها حبلًا من مسد، وفي هذا بيان بأن المعركة مع الباطل ليست معركة ذكورية أو أنثوية، فأعداء الإسلام هم من الرجال ومن النساء، والمؤمنون والدعاة والصالحون هم أيضًا من الرجال ومن النساء، والله يقول: {أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} [آل عمران: 195]،والله تعالى أعلم.

سلسلة كتب:
إشراقات قرآنية (4 أجزاء)
للدكتور سلمان العودة
متوفرة الآن على موقع الدكتور علي محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/books/7


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022