النبي (صلى الله عليه وسلم) وأدب الحوار (1)
الحلقة الحادية والتسعون من كتاب
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
رجب 1443 هــ / فبراير 2022م
تغيير عميق:
لقد أصابه الهلع بمجرد سماعه لهذه الآيات المجلجلة والقوية، فانصرف عتبة وكأن صوت الصواعق في أذنيه، وذهب إلى قومه، فلما أقبل عليهم قالوا: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به.
لقد قرؤوا التغير في ملامحه وقسمات وجهه، فقد جاء متثاقل الخطى متأثرًا بما سمع، فلما جاءهم قال لهم: سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه؛ فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأٌ عظيمٌ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به.
عاد يدعوهم إلى الحياد، اتركوا محمدًا وشأنه ودعوته، فإن قبله العرب وآمنوا به فدعوته عز لقريش، كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: 44]. وإن ظهر العرب عليه وانتصروا فقد كفيتم حربه بغيركم، ولن تحتاجوا إلى إقامة معركة داخل قريش بينكم وبين محمد صلى الله عليه وسلم.
آداب الحوار:
هذا الموقف العظيم يحمل في طياته العديد من الدروس والعبر، ومن أهم الدروس التي نستلهمها من قصة حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع عتبة: كيف نتعلم أدب الحوار؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى عتبة حتى انتهى من كلامه، وفي هذا معنى مهم؛ ألا نقاطع المتحدث مهما كان كلامه في نظرنا رديئًا، فالانتصار ليس بالصراخ، ولا بالجلبة، ولو كان الانتصار بمثل هذا الأسلوب لكان الجهلة أولى بالنصر والفوز في الخصومات، بينما الواقع والتاريخ يشهد بأن الانتصار في الخصومة يكون بالحجة والمنطق والعقل، ولذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم الرجل حتى تحدث ولم يرد عليه، بل لم يقل له: إن ما جئت به سفه، ولو قال لصدق صلى الله عليه وسلم، ولكنه استمع إليه ثم اكتفى بأن يقرأ عليه شيئًا من القرآن، ولم يضف إليها صلى الله عليه وسلم من عند نفسه شيئًا.
رابط تحميل كتاب مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
http://alsallabi.com/books/view/506
كما ويمكنكم تحميل جميع مؤلفات فضيلة الدكتور سلمان العودة من موقع الدكتور علي الصَّلابي الرسمي