مقدِّمة كتاب "مع الأئمة رضوان الله عليهم" لفضيلة الشيخ الدكتور سلمان العودة (فرج الله عنه)
الحلقة الأولى
18 شوال 1443ه/ 19 مايو 2022م
الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على سيِّدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعدُ:
فقد عشتُ كثيرًا مع سير العلماء والمُصلحين، وخاصة أئمة المذاهب الأربعة المتبوعة في العالم الإسلامي، ووجدتُ سيرهم مدارس في التربية والسلوك والأخلاق، كما هي مدارس في المعرفة والتعليم، بل هي تؤسِّس لانطلاقات جديدة حضارية في البيئات التي تُهيمن عليها؛ متى أحسن الناسُ قراءتها وفهمها.
ومن هذا المنطلق كتبتُ ورقات في سيرة كل إمام منهم، حاولتُ أن تكون جامعة بين المتعة والفائدة والتوثيق، ثم أعدتُ النظر فيها لاستخراج الجوامع والفروق، التي تؤكِّد على وِحدة المنطلقات والأصول في هذه المدارس، وتنوُّع الاجتهادات والآراء، تحقيقًا لمعنى الرحمة والسَّعة، ومراعاة اختلاف البيئة والظرف التاريخي فيما أذن الله تعالى أن يختلف الناسُ فيه، حيث تسعهم شريعة ربهم في بَحْبُوحَتها وامتدادها، حين يضيق بهم المذهب الخاص، الذي يتَّكئ على الشريعة، ولكنه لا يدَّعي الإحاطة بها والتعبير التام عنها.
هذه الورقات تحاول تأييد الاتِّباع المشروع لهؤلاء الأئمة، وتُثني عليهم الخيرَ كما هم أهله، وتقطع الطريق على مَن ينتقصهم أو يحطُّ من قدرهم، وتحاول أن تنأى عن مسلك التعصُّب لواحد منهم، أو لهم على غيرهم، أو توهُّم العصمة لأقوالهم، أو تحويل الانتماء للمذهب إلى سبب للكراهية والبغضاء والتنابُز، كما وقع في بعض مراحل التاريخ، ولا يزال طرف منه قائمًا إلى اليوم، وربما يتكرَّر كلما توجَّه الناس إلى التديُّن والبحث عن المعرفة الشرعية؛ مما يستدعي حديثًا مستفيضًا عنه، وتحذيرًا دائمًا من مغبَّته.
هذه الأوراق هي عرفان بحق هؤلاء الأعلام، وأداء لبعض الواجب تجاههم، وتأوُّل لقول الله تعالى في كتابه العزيز: "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" [الحشر: 10].
هي إعلان بالمحبة وثناء ودعاء وترحُّم وتأسٍّ.
أسأل الله تعالى أن يتقبَّلها، وأن يمنحها القَبول لدى الصالحين من عباده، وهو يقول الحق، وهو يهدي السبيل.
وإنني أَطْمَحُ من قرَّاء هذا الكتاب إلى التواصل معي عبر وسائل الاتصال؛ لتوصيل أي ملحوظة أو اقتراح أو نقد أو تعديل؛ فهذه التغذية الراجعة، هي دومًا من مصادر فرحي وسعادتي، وهي تُسْهِم في تطويري ذاتيًّا، مثلما تُسْهِم في تطوير الكتاب وتحسينه، والشكر لكل مَن يقتطع جزءًا من وقته لقراءة الكتاب، أو يضيف جزءًا آخر لكتابة تعديل أو تصويب وإرساله إليَّ.
سلمان العودة
كيب تاون
20/4/1432هـ
لتحميل الكتاب وقراءته: