السبت

1446-06-27

|

2024-12-28

(الإمام التقي الزاهد أبو حنيفة النعمان)

اقتباسات من كتاب "مع الأئمة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)

الحلقة:الثامنة والعشرون

19ذو القعدة 1443ه/18يونيو 2022م

كان أبو حنيفةَ رحمه الله من العُبَّاد الكبار، لم يكن قياسه ولا فقهه ترفًا ولا متعة عقلية بحتة، كان تديُّنًا وإصلاحًا واجتهادًا، هو منه بين أجر وأجرين.

قال سُفيان بن عُيينة: «ما قدم مكة رجلٌ في وقتنا أكثر صلاة من أبي حنيفة».

وقال أبو عاصم النَّبيل: «كان أبو حنيفة يسمَّى: الوتد؛ لكثرة صلاته».

وقال أبو مُطيع البَلْخيُّ: «كنتُ بمكة، فما دخلتُ الطوافَ في ساعة من ساعات الليل، إِلَّا رأيتُ أبا حنيفة وسفيان في الطواف».

وأتوقفُ هنا عند قول أسد بن عَمرو البَجَليِّ: «صلَّى أبو حنيفة فيما حُفظ عليه صلاة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة، فكان عامة الليل يقرأ جميع القرآن في ركعة واحدة، وكان يُسمعُ بكاؤه بالليل حتى يرحمه جيرانه، وحُفظ عليه أنه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعينَ ألف مرة».

وقول أحد أبناء أبي حنيفة: «لما مات أبي، سألنا الحسنَ بنَ عُمارة أن يتولَّى غُسْلَه، ففعل، فلما غسَّله قال: رحمك الله، وغفر لك، لم تُفْطِر منذ ثلاثين سنة، ولم تتوسَّدْ يمينك بالليل منذ أربعين سنة، وقد أتعبتَ مَن بعدك وفضحتَ القُرَّاء».

فهذه الروايات لا تخلو من مبالغة؛ فسهر الليل كله غير مشروع، والله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: (مِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) [المزمل:2-4].

وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقوم وينام، كما نقله عنه أصحابه، كما في حديث ابن عباس وحذيفة وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم.

وقراءة القرآن كله في ركعة ليس بمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن عامة أصحابه، إِلَّا ما صحَّ عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وقد ورد ذلك أيضًا عن عبد الله بن الزُّبير، وتَمِيم الدَّاري رضي الله عنهما.

قال النووي: «وأما الذين ختموا القرآن في ركعة، فلا يُحصون لكثرتهم، فمنهم عثمان بن عفان، وتَمِيم الدَّاري، وسعيد بن جُبير».

وكأن مراد النووي: من عموم السلف.

وخَتْمُ القرآن سبعين ألف مرة يحتاج إلى مئتي سنة كاملة يقرأ فيها القرآن كل يوم ويختمه، دون عارض من صغر سن أو مرض أو انتقال، وهذا محال، ولكن جرت عادة كثير ممن يكتبون السير أن يحشدوا كل ما قيل، وأحيانًا دون تمحيص.

والصواب الذي في عامة المصادر أنه ختمه «سبعة آلاف مرة» وهو ممكن وقريب.

ولعل سرد مثل هذه الروايات دون تعقُّب مما يُقْعِد بهمم الناس ويُضْعِف عزائمهم؛ فإن الطريق الوعر يَقِلُّ سالكه ويكثر المنقطعون فيه، وهذا تنبيه يُؤخذ بالاعتبار في روايات كثيرة نُقلت عن السلف، كما تجد طرفًا منها في «حلية الأولياء»، وغيره، فمنها ما لا يصح أصلًا، وهو من تزيُّد الرواة ومبالغاتهم، أو يكون محمولًا عن قصد الكثرة دون العدد، ومنها ما يكون صحيحًا، ولكن لا دليل على مشروعيته.

وكمال الاقتداء والتأسِّي إنما يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال ربنا سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21].

هذه الحلقة مقتبسة من كتاب مع الأئمة للشيخ سلمان العودة، صص 63-65

يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي:

https://www.alsallabi.com/uploads/books/16527989340.pdf


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022