الإمام أبو حنيفة التاجر الزاهد
اقتباسات من كتاب "مع الأئمة" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: التاسعة والعشرون
ذو القعدة 1443ه/يونيو 2022م
كان أبو حنيفةَ رحمه الله إمامًا في الزهد والورع، وقد شهد له بذلك الزُّهَّاد.
قال الإمام أحمد بن حنبل: «هو من العلم والورع والزهد وإيثار الدار الآخرة بمَحِلٍّ، لا يدركه فيه أحدٌ».
وقال عبد الله بن المبارك: «ما رأيتُ أحدًا أورع من أبي حنيفة، وقد جُرِّب بالسِّياط والأموال».
وهذه سياسة الترغيب والترهيب، أو (العصا والجزرة) استُعملت معه، فما صرفته عما أراد.
وقال ابن جُريج: «بلغني عن النعمان فقيه الكوفة أنه شديد الورع، صائن لدينه ولعلمه، لا يُؤْثِر أهل الدنيا على أهل الآخرة».
وقد بُذِلت الدنيا لأبي حنيفة رحمه الله، فلم يُرِدْها، وضُرِب عليها بالسِّياط، فلم يقبلها.
قال يزيد بن هارون: «أدركتُ الناسَ، فما رأيتُ أحدًا أعقلَ ولا أفضلَ ولا أورعَ من أبي حنيفة».
وقال الذهبيُّ: «كان إمامًا ورعًا عالمًا عاملًا متعبِّدًا، كبير الشأن، لا يقبل جوائز السلطان».
وهذه من مآثره العظيمة أنه لم يأكل بعلمه الدنيا، ولم يقصدها، ولم يمنعه طلب العلم من التجارة وطلب الرزق الحلال، وهذا هو هَدي الصحابة رضي الله عنهم، وهَدي الصالحين، كما وصفهم ربهم سبحانه، فقال: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور:37]. فهم كانوا أهل تجارة وبيع، لكن لم تلههم تجارتهم وبيعهم عن ذكر الله وإقام الصلاة وطلب العلم.
فأين هذا ممن جعل علمه جسرًا إلى تحصيل المال من أي مصدر كان؟! أو ممن زعم التفرُّغ لطلب العلم، وبذل وجهه للناس وسؤالهم؟! أو ممن يفاخر بأنه لا يعرف الدنيا ولا يزاحم عليها، وهو يبذل مستطاعه لتحصيل رزقه من أهل الثروة والجاه؟!
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب مع الأئمة للشيخ سلمان العودة، صص 66-65
يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي: