(طريق آدم في العودة إلى الجنة يمر عبر أسماء...)
اقتباسات من كتاب "علمني أبي..مع آدم من الطين إلى الطين" لمؤلفه الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة (فرج الله عنه)
الحلقة: الثالثة عشر
صفر 1444ه/ سبتمبر 2022م
اذهب للإسكيمو في المناطق القطبية تجد مئات الأسماء للثلج والجليد، بينما يفتقرون إلى الألوان الأخرى، مثل الأحمر؛ لأنهم قلَّما يرون الشفق الأحمر.
الأشياء التي نحفظها من التاريخ هي عبارة عن أسماء؛ اللغات، المدن، حتى النظريات تحوَّلت إلى أسماء؛ هذه نظرية آينشتاين، أو نظرية فيثاغورس، المباني تحولت إلى أسماء، فهذا قصر الخَوَرْنَق والسَّدِيْر والحَضْر والمَصْمَك، والمعارك، والدول، والأيام، والسنين، والكتب، والمدارس.
أكثر حالات الجدل الدائم مرتبطة بأسماء، وأنت قد تلغي شخصًا بجرة قلم دون أن تُكلِّف نفسك عناء أن تقرأ عنه أو تبحث أو تتأكَّد من شخصيته، ويمكن أن ترفع شخصًا دون أن تبحث عنه؛ لأن الجدل يتمحور حول إنسان ممثَّل بـ(اسم)..
ذات مرة كنت أبحث عن (ابن تيمية)، وضعت اسمه في (Google)، فوجدت شيئًا مرعبًا مذهلًا؛ المؤيِّد، والمعارض، والمحب، والمبغض، والذي يعتبره من أعظم الأولياء، وأكبر العباقرة، والذي يحاول أن يخرجه من الإسلام.. وجدلًا في تفاصيله بحيث تحس بأنك لا تقرأ عن شخص يرقد في قبره منذ ثمانمئة سنة، وإنما عن حيٍّ حاضر له دوي أكثر بكثير من عامة الأحياء!
المرء يحاكي اسمه ويتفاعل معه ويذوب فيه حتى يصعب الفصل بين الاسم اللفظ، وبين المسمى المخلوق من لحم ودم، فأين هي حدود الاسم اللفظي، وأين هي حدود الجسد والروح، حدود الإنسان؟
الإيمان، الحب، التفاؤل، الأمل، الرضا، السلام، السعادة، الإحسان، التسامح..
التكفير، التخوين، التحوين (وصف الناس بالحيوانية)، التنفيق (اتهام الناس بالنفاق)..
أكثر الكلمات تأثيرًا في أشخاصنا وتحديدًا لوجهتنا وصياغة لمجموعاتنا.
أجمل الأسماء عندي: محمد، وعبد الله، أول ولد سميته: معاذًا؛ لأني مذ كنتُ طالبًا في الثانوية أحب التكني بأبي معاذ، ونشرت قصائد مبكِّرة باسم أبي معاذ الخالدي.
عبد الرحمن فقدته في حادث سيارة- جعله الله شفيعًا وشهيدًا- ثم سميت آخر على اسمه.
ليس مطلوبًا أن ننسى الراحلين، بل أن نتذكرهم فيحدث لنا الصبر ويتجدَّد الأجر كلما ذكرناهم.
وهو من الأسماء الفاضلة، فخير الأسماء: عبد الله وعبد الرحمن.
وكذلك أسماء الأنبياء عليهم السلام؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «وُلِدَ لِىَ اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبي إِبْرَاهِيمَ». وكان بنو إسرائيل يسمون بأسماء أنبيائهم وصالحيهم، والتسمية بأسماء الآباء جيد حين يكون نوعًا من البر.
قصة تغيير اسم الإنسان إذا أسلم ليس لها أصل إلا في حالة ما إذا كان الاسم معيبًا فيتم تغييره، وإلا فالسنة بقاء الأسماء على ما هي عليه.
وتغيير أسماء مَن أسلموا من غير العرب بأسماء عربية قد يفضي إلى تحويل الدين في نظرهم إلى دين عربي خاص بالعرب، مما يصنع فجوةً بينه وبينهم، وهي عقبة نضعها في طريق من يريد الإسلام.
بعض الذين يسلمون يقومون تلقائيًّا بتغيير أسمائهم لأسباب شخصية، وليس بطلب من غيرهم، فـ(جون) أو (خوان) يتحول إلى يحيى، و(إبراهام) يتحول إلى إبراهيم.
أذكر صديقًا تغيَّر اسم عائلته عندما كان طالبًا في الثانوية، فحدث له صدمة نفسية كادت أن تودي به، لولا لطف الله.
من الحق على الأبوين العناية بأسماء البنات خاصة، ورب بنت سماها أهلها باسم البقعة التي وُلدت فيها، أو المناسبة، أو باسم غير مقبول اجتماعيًّا، ولو كان مستساغًا في الدائرة الضيقة، فسبَّب لها الاسم عقدة نفسية وانسحابًا من المجتمع الدراسي أو الوظيفي بسبب السخرية الظاهرة والخفية والتعليقات السلبية التي تُطلق كلما مر الاسم.
مناداة مَن تلقاه باسمه مدعاة للسرور، وسبب للتقارب وتعزيز العلاقة.
للأسماء الحسنة تأثير في مسمياتها من البشر والمخلوقات والجمادات، وكان صلى الله عليه وسلم يغيِّر الاسم السَّيِّئ إلى الحسن، حتى لو كان اسم جماد.
أعظم المعرفة وأنفعها معرفة الله.
«الله» المفردة التي انتظمت المعجم كله.
«الله» الاسم الذي نقوله فتتحول الصحراء إلى حديقة، والعطش إلى رِي، والفقر إلى غنى، والهزيمة إلى انتصار، والضيق إلى سعة، واليأس إلى ثقة، والموت إلى حياة..
كيف السبيل إلى معرفته وقربه ومناجاته إلا بمعرفة أسمائه، وله من الأسماء ما لا ينحصر ولا ينتهي، وما لا يعرفه مَلَك مقرَّب ولا نبيٌّ مُرسَل، فاللهم لك الحمد لا نُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك..
ومن أسمائه (٩٩) اسمًا وردت في الكتاب والسُّنة: «مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجـَنَّـةَ»!
حين يخر النبيُّ صلى الله عليه وسلم ساجدًا يوم القيامة يفتح الله عليه بمحامد وثناءات لم يكن يعلمها من قبل، فيقول الله له: «ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ».
ومن الدعاء المأثور: «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ...».
طريق آدم في العودة إلى الجنة يمر عبر أسماء، والجنة لها أسماء فهي: الجنة، وجنة الخلد، وجنة المأوى، وجنات عدن، وجنات النعيم، وجنات الفردوس، والحسنى، ودار السلام، ودار المتقين، والغرفة، ودار المُقامة، ودار القرار، والمقام الأمين، ومقعد الصدق، وقدم الصدق.
وأهلها ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾، فليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماءُ.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب علمني أبي للشيخ سلمان العودة، صص 65-72
يمكنكم تحميل كتاب مع الأئمة من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي عبر الرابط التالي: