الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

الاستخلاف هو هدف الوجود الفردي والاجتماعي كنا قد قررنا في المقال 19 على أن الإسلام هو المرجعية العليا لأي دولة يدين أهلها بالإسلام، وهذا يتطلب أن يُبنى النظام والقانون العامان للدولة على قيم ومبادئ الإسلام، وأن يؤسس دستورها المتغير باعتباره اجتهاد بشري جماعي على تلك المبادئ والقيم والقواعد. إن أهم الالتزامات المترتبة على اعتبار الإسلام مرجعية المجتمع والدولة، ومصدر الأحكام والقوانين؛ أن تُصاغ الحياة كلها وفق تلك المرجعية، فلا يُعتمد نص دستوري أو قانوني، ولا يعترف بمبدأ أخلاقي، ولا يقبل سلوك فردي أو اجتماعي إذا خالف الإسلام ، وهذا تكليف تضامني بين المجتمع والسلطة، المجتمع لكونه مصدر شرعية السلطة ويمارس الرقابة عليها وينفذ الحسبة تجاهها، والسلطة باعتبارها الجهة المكلفة من المجتمع بتوجيه الحركة العامة للدولة والمجتمع، أفرادا ومجموعات. الاستخلاف.. بيان غاية الوجود إن الإسلام منهج ونظام حياة متكامل حدد غاية الوجود الإنساني، وبين الهدف الاستراتيجي لهذا الوجود، وهو ما يُعرف اصطلاحا بالاستخلاف، وهو الدور المنوط بالإنسان أثناء رحلته في الحياة. وإن أهم جوانب الاستخلاف تتمثل في الترقي ا

الاستخلاف هو هدف الوجود الفردي والاجتماعي كنا قد قررنا في المقال 19 على أن الإسلام هو المرجعية العليا لأي دولة يدين أهلها بالإسلام، وهذا يتطلب أن يُبنى النظام والقانون العامان للدولة على قيم ومبادئ الإسلام، وأن يؤسس دستورها المتغير باعتباره اجتهاد بشري جماعي على تلك المبادئ والقيم والقواعد. إن أهم الالتزامات المترتبة على اعتبار الإسلام مرجعية المجتمع والدولة، ومصدر الأحكام والقوانين؛ أن تُصاغ الحياة كلها وفق تلك المرجعية، فلا يُعتمد نص دستوري أو قانوني، ولا يعترف بمبدأ أخلاقي، ولا يقبل سلوك فردي أو اجتماعي إذا خالف الإسلام ، وهذا تكليف تضامني بين المجتمع والسلطة، المجتمع لكونه مصدر شرعية السلطة ويمارس الرقابة عليها وينفذ الحسبة تجاهها، والسلطة باعتبارها الجهة المكلفة من المجتمع بتوجيه الحركة العامة للدولة والمجتمع، أفرادا ومجموعات. الاستخلاف.. بيان غاية الوجود إن الإسلام منهج ونظام حياة متكامل حدد غاية الوجود الإنساني، وبين الهدف الاستراتيجي لهذا الوجود، وهو ما يُعرف اصطلاحا بالاستخلاف، وهو الدور المنوط بالإنسان أثناء رحلته في الحياة. وإن أهم جوانب الاستخلاف تتمثل في الترقي الروحي، في مدارج تزكية النفس، قال تعالى: "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" [الشمس: 9-10]، وتتمثل في التعمق المعرفي بالوجود، قال تعالى: "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير" [العنكبوت: 20]، وبالنفس، قال عز وجل: "وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون" [الذاريات: 20 - 21]، وفي الالتزام الأخلاقي، قال صلى الله عليه وسلم: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا" ، وفي الترقي العمراني، قال عليه الصلاة والسلام: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها" . وإن من واجبات السلطة في المجتمع المسلم أن تسعى جاهدة وتسخر كل الإمكانات لتحقيق هذه الأبعاد بشكل مستمر، وتفسح الطريق واسعا أمام إبداعات كل جيل، ليقدم من خلال إدراكه لغاية وجوده الذي يمكنه من استثمار عطائه الحضاري للحياة الإنسانية. إننا لا نتوقع أن يدون دستور يرتكز على الإسلام، ثم لا يشتمل على تلك الجوانب كلها، ويستوعب ويستشرف تلك المعاني والآفاق، أما الاقتصار على جوانب دون أخرى، كالتركيز على بناء الأجسام وتوفير سبل العيش، والالتهاء بالوسائل دون الوقوف على غايات الوجود، فإن كل هذا قصور تأباه توجيهات ومقاصد القرآن الكريم، وأقوال وأفعال وتقريرات المصطفى صلى الله عليه وسلم. غاية الخلق والوجود إن الإسلام حدد الغاية الكلية من خلق الحياة ووجود الإنسانية المكلفة بأن تفرد الله بالعبادة، قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات: 56]، وللعبادة مفهومها الكلي في الإسلام، فتشمل سجدات الصلاة والتدبر في آيات القرآن الكريم، وتتسع لتستوعب حتى لقيمات يضعها الإنسان في فم زوجه تحببا لها. إن تصور العبادة الذي جاء به الإسلام وقرره، هو سعي الإنسان في فرديته واجتماعه، وسعي السلطة للاستقامة على منهج الله تعالى، فالعبودية تتحقق بالتماس الاستقامة، قال تعالى: "فلذلك فادع واستقم كما أمرت" [الشورى: 15] وقال سبحانه وتعالى: "قل إن وصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" [الأنعام: 162-163]، وقال صلى الله عليه وسلم عندما سأله أحد المسلمين: "قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك، قال: قل آمنت بالله، ثم استقم" . وبالمقابل نفى القرآن الكريم أن يكون الوجود بلا غاية، قال تعالى: " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون" [المؤمنون: 115]. بهذا تتضح الرؤية المعرفية التي تؤسس عليها هوية المجتمع المسلم، وتتحدد مسار سلطته المعتمدة في شرعيتها على الالتزام ببناء هذه الهوية في حركة نظام الدولة العام، وتلتزم بتوفير سبل ووسائل التنشئة الاجتماعية للأفراد ليتناغموا مع تلك الهوية، قال تعالى: "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون" [البقرة: ] إن هذه الغاية التي يحاول بعضنا تجاهلها, قد أدركها ذلك الصحابي الجليل ربعي بن عامر، عندما أرسله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إثر طلب رستم قائد الفرس في معركة القادسية من يفاوضه، فسأله رستم: ما الذي جاء بكم؟ فأجاب ربعي رضي الله عنه: "جئنا لنخرج من يشاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام" . هي إذا غاية الحياة؛ عبادة الله، وعليه لن نتصور في بلد مسلم أن يُكتب نص دستوري يتغاضى جهلا أو تجاهلا لهذه الحقيقة. ولن يخفى على العقلاء ما قد يتأسس على هذا التجاهل من إشكالات على الأرض، لأن في مجتمعاتنا من سيدرك هذا التجاهل، وينهض لرفضه وهنا قد لا نملك جميعا وسائل تحدد رفضهم في أساليب دون أخرى. حوار الاستخلاف.. التكريم في الملأ الأعلى كما بينت سورة الذاريات المكية غاية الوجود، وهدف الخلق في قوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، فإن سورة البقرة المدنية أكدت في معرض توضيح حقيقة الخلق، على أن الإنسان مستخلف في هذه الحياة، قال تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك، قال إني أعلم ما لا تعلمون" [البقرة: 30] فالملائكة تدرك أن وجود الخلق هو عبادة الله "نسبح بحمدك ونقدس لك" ولكن كان لله تعالى إرادة أن يخلق غير الملائكة ليسبحوا بحمده ويقدسوا له، مع إضافة وإتاحة مسارات وهوامش إضافية للإنسان، تكون له خاصة من دون العابدين ، وهي تتمثل في اتساع ساحة التكليف لتكون أشمل وأوسع ، والابتلاء بحرية الاختيار التي يترتب عليها قبول العمل، فالكل خلق ليعبد الله ويفرده بالعبودية، ولكن للإنسان في العبودية التزام آخر، فكما ذكرنا سريعا من أن مفهوم الإسلام للعبودية يتسع للأنشطة الحياتية كاملة، وسميت هذه الممارسة الكلية للعبودية بالاستخلاف المستقيم على منهج الله تعالى، وهو ما لم تكلف به الملائكة، وإنما كلف به الإنسان بدءا من آدم عليه السلام. إن هذا الحوار العلوي بين الله تعالى وملائكته الكرام، أكد أن للإنسان دورا مختلفا في الحياة، الأمر الذي يجب أن تتضافر لتحقيقه، وتسخر للحفاظ على مساره كل مكونات المجتمع الإنساني المسلم، ابتداء من المجتمع ومرورا بالإنسان في فرديته، وانتهاء بالسلطة في دائرة مسؤوليتها تجاه الفرد والمجتمع، قال تعالى: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها، فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب" [هود: 61] أمانة قبلها الإنسان.. الالتزام بالاختيار إن الإنسان تحمل أمانة وجوده في الحياة، ورضي بأن يلتزم بدوره فيها، ولكن ترك له دائما الخيار في أن يقرر في أي لحظة من حياته، الاستمرار من عدمه في الوفاء بالتزامه، وفي كلا الحالتين فقد أُلهم نجديه، بحيث يترتب على حرية اختياره المثوبة بالدنيا، والأجر في الآخرة، قال تعالى: "إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، إنه كان ظلوما جهولا" [الأحزاب:72]. ولم يترك الله الإنسان يواجه التزامه بمفرده، فعلى طول التاريخ الإنساني كان هناك تواصل بين السماء والأرض عبر الوحي الإلهي لصفوة خلقه من الرسل والأنبياء، وكان هدف الرسالات جميعها هو العودة بالإنسان إلى الطريق السوي، وتذكيره بالميثاق الذي التزمه، وإعانته على أداء دوره المنوط به؛ لتتحقق بذلك العبودية الكاملة لله وحده، فتكون حجة الله البالغة قائمة على مدى الدهر، قال سبحانه: "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" [النساء:165]. ولكن بعد أن ختم الله رسالاته بمحمد صلى الله عليه وسلم، انتقلت هذه الأمانة إلى أمته، فتحدد لها واجب آخر في عبوديتها لله تعالى يتمثل في حمل رسالة الله إلى العالمين، قال تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" [آل عمران: 104] وهذا يلزمنا ونحن نتحدث عن الدستور في مجتمعات مسلمة أن ندرك عالمية الدور الذي تضطلع به أمتنا، واختيارنا للإسلام دينا لنا يتطلب منا وجوبا الالتزام بهذا الدور العالمي وهو الدعوة إلى الخير لكل الإنسانية، والأمر بالمعروف للمؤمنين بالإسلام، والنهي عن المنكر بمعناه الخاص والعام. التوازن بين مكونات الإنسان لا يفهم من الحديث عن عبودية مستمرة لله تعالى أن ليس للإنسان إلا أن يتنسك ويهجر الحياة، ليحقق تلك العبودية، فقد قررت الشريعة الإسلامية الخاتمة، أن العبودية في الإسلام عملية تعمير متواصل للحياة في كل جوانبها، وأن للإنسان نصيبه من الاستمتاع والإمتاع بهذه الحياة، مادام ذلك يأتي في سياق يرضاه الله للإنسان، وهو ما يقع في دائرة الحلال والمباح، وأحيانا كثيرة في دائرة الواجب خاصة إذا ارتبط الأمر بحقوق من تتولى مسؤولياتهم من أسرة وأهل وأقارب، والإسلام لا يدعو إلى الحرمان من الحياة الطيبة، وما أوجده الله فيها من متع وطيبات، قال تعالى: "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا، خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون" [الأعراف: 32]. لقد جاءت أحكام الإسلام لتراعي تنوع طبيعة الإنسان، ما بين روح تجهد للسمو بإيمانها، وبين جسد تدفعه جذبة غرائزه للبقاء والخضوع لقوانين الوجود، ومحبة الحياة التي بها تنطلق عمارة الأرض والصبر على مسؤوليات الاستخلاف، ونفس ترنو للروح تارة وللجسد أخرى. إن الإسلام راعى كل ذلك التنوع في طبيعة الإنسان، فأعطى للروح نظام عبادة تتجلى فيه الروح بطهرها ونقائها، وشرع للحياة أحكاما, فسن الزواج والتجارة والتملك وأكل ولبس الطيب، ووضع للنفس منهجا لتزكيتها وترويضها على الخير حتى تغدو نفسا مطمئنة راضية بعبودية الله وشريعته، قال تعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين" [القصص: 77] إن ما نلحظ في دساتير دولنا العربية والإسلامية اليوم غياب هذا المفهوم عنها، فنرى نصوصها تتعامل مع الإنسان وكأنه قد نزعت عنه روحه، وألقيت نفسه في غياهب الجب، فتأتي موادها جافية جافة، لا حياة فيها ولا حراك، ذات نزعة مادية غايتها آنية ترتبط بالجسد مهملة حقيقة تنوع كيان الإنسان. ورأينا ما ترتب على ذلك من إهمال للتنشئة الاجتماعية الرشيدة، التي تزرع القيم والأخلاق والالتزام بالقانون، فكانت النتائج انتشار معدلات الجريمة، والخروج عن الأعراف وجهل الأجيال بقيمها التي كلف الله السلطة والمجتمع بتعليم وتربية الأجيال عليها. إننا في وطننا نصبوا أن يدون دستورنا بحروف وكلمات تزخر بالحياة، وتنبع من صفاء مبادئ الإسلام وقيمه التي نزلت من لدن عليم خبير، لتبني إنسانا متوازنا مدركا لغاياته، عالما بحدوده، عارفا بحقوقه، مراعيا لمجتمعه. التوازن بين الانفراد والاجتماع لقد عالج الإسلام توازن الإنسان الذاتي، ووضع قواعد تنظم العلاقة بين الفرد ومجتمعه، فأعطى له حقوقا وحفظ خصوصيته وضمن حريته وحقه في الاعتقاد، وطالبه بحقوق تجاه المجتمع في ماله وجهده فأوجب عليه الزكاة في ماله بأنواعه، وألزمه برعاية من تلزمه رعايتهم، وأمره بالحفاظ على العلاقات الاجتماعية بصلة رحمه، والإحسان إلى جاره، وحرم عليه مقاطعة عموم المسلمين بالخصومة، قال تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا، وبذي القربى واليتامى، والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب، وابن السبيل، وما ملكت أيمانكم، إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا" [النساء: 36]. إن الكثير من أحكام الإسلام كما ورد في الآية الكريمة السابقة لا يمكن تطبيقها في عزلة عن المجتمع، بل شجع الإسلام دائما على العيش بين الناس، وتحقيق المنافع لهم، قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم". وأحكام كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير التي وردت في سورة آل عمران، لا يمكن أن تتحقق إلا بالاختلاط بين المسلمين، والتعايش المتواصل. كما نهى الإسلام عن مقاطعة المسلمين بعضهم، بل أوجب عليهم التواصل، والتقارب حتى مع الخصومة، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ". إن هذه النظرة المتوازنة، وتلك التوجيهات، هي ما يجب أن تراعى عندما يخط المسلمون لأنفسهم دستورا ينظم حياتهم، ويفصل حقوقهم وواجباتهم، إن على شعوبنا ومجتمعاتنا أن تلزم واضعي النصوص الدستورية، أو تعديلاتها بأن يستلهموا مرجعيتنا العليا في الحياة في كل حرف يخطونه في ديباجات وفصول ومواد الدساتير. مفهوم عمارة الحياة.. الدنيا مزرعة الآخرة يتسع مفهوم عمارة الحياة في الإسلام ليشمل ربط الحياة بالآخرة، وبناء الإنسان والمجتمع، وحماية الطبيعة والكون والالتزام تجاه الموجودات بحقها في الوجود، وفي هذا الباب سيقدم فقه مقاصد الشريعة، القائم على مراعاة مصالح الناس، والنظر إلى مآلات القرارات وخطط الدولة، وعندها سيتم مراعاة حقوق الأجيال القادمة كما فعل سيدنا عمر رضي الله عنه في سواد العراق، حيث لم يوزع أرض الغنائم على المشاركين في المعركة، بل استبدلها بخراج دائم يرجع لخزانة الدولة ويستفيد منه كل المسلمين بما فيهم الأجيال القادمة . فعمارة الحياة ليست منحصرة فقط في البناء المادي، بل يجب أن ينتج حتى على هذه العمارة المادية أجواء من الشكر لله تعالى والاعتراف بتوفيقه لنا وتوجيه الموارد المادية في خدمة الإنسانية جمعاء، قال تعالى حاكيا عن ذي القرنين بعد أن بنى السد العظيم لذلك الشعب الضعيف، ليمنعهم غزوات أعدائهم، وهو عمل مادي ضخم بحسب وصف الآية الكريمة، وبدأ عمله برفضه أخذ الأجر على البناء، فقد أغناه الله عن أخذ مال الشعوب الضعيفة فقال: "قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا، قال ما مكني فيه ربي خير"، وعندما انتهى من بناء السد قال معلنا: "هذا رحمة من ربي". إننا أمة يجب أن تبني الحياة وهي ترجوا الآخرة، فبناؤنا النفسي والأخلاقي الذي سيؤثر في سلوكنا الظاهر تأسس على أن الدنيا غراس الآخرة، وبهذا الشعور الفردي والضمير المجتمعي، سيصبح العمل في الدنيا له نتائجه في الحياة الأخرى. إن دستورنا يجب أن يراعي هذا الدور المنوط بنا كأمة مسلمة في رعاية الإنسان، والكون الذي يعيش فيه.

الكاتب: د. علي الصلابي 

       أ. إسماعيل كريتلي 

المصدر: حركة التوحيد والإصلاح 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022