الجمعة

1446-06-26

|

2024-12-27

محورية أمة الإسلام بعد أن ثبت لدينا في المقالين السابقين أهمية وضرورة أن يكون الإسلام هو مرجعية المجتمع والسلطة المسلمة، ورأينا كيف أن الغاية المقررة للمسلمين أفراداً ومجتمعات، هي الاستخلاف المسؤول في الحياة الإنسانية، وذلك بتحقيق الالتزام المتوازن للفرد المسلم، فلا يغلب جانباً على آخر في حياته، وبالحراك الواعي للمجتمع متعدد الأدوار والأطياف والمشارب والإمكانات ضمن الإطار المرجعي الواحد؛ فهي جماعة تدعو إلى الخير والبر والإحسان، وتأمر بالمعروف والهدى والإيمان، ولها موقف محدد من المنكر، وسيرة معروفة في التعامل مع أوجه القصور وجوانب الخلل، ومسائل الانحراف، امتثالا لقوله تبارك وتعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" آل عمرن. وفي هذا المقال الواحد والعشرين نتعرض إلى مفهوم الأمة باعتبارها الامتداد الطبيعي الجامع للمجتمعات المسلمة، فمع أول تجمع مستقل للمسلمين في المدينة المنورة بعد الهجرة كتبت صحيفة المدينة والتي تضمنت بأن المسلمين هم أمة من دون الناس . إن الناظر إلى تاريخ المسلمين العام يلحظ أن أفضل الفترات التاريخية هي التي كان فيها مفهوم الأمة هو السائد، وأن أقوى دول المسلمين هي التي حققت أو اقتربت إلى حد كبير من تحقيق مفهوم الأمة في واقعها التاريخي؛ ففي الحقبة التاريخية التي ظهرت فيها مقابل الدولة الإسلامية مشاريع منافسة، كالمشروع الصليبي بحملاته المتكررة، ومشروع الدولة الفاطمية الذي استقر في مصر، فإن الدولة التي واجهت وتصدت للمشروعين كانت تختلط فيها الأعراق، فالخلفاء العباسيون كانوا عرباً ومعهم جماهير واسعة من المجتمع المسلم، وكان السلاطين تركاً من السلاجقة والزنكيين، وكان من وزراء هؤلاء السلاطين فرساً كالوزير نظام الملك، وقاد جيوشهم مجموعة من القادة الأكراد كأسد الدين شريكوه وصلاح الدين الأيوبي. لقد تمكنت تلك الدول من رد الهجوم عن العالم الإسلامي، وتوحيد الكثير من المجتمعات المسلمة في مصر والشام والعراق والجزيرة العربية. إن أحاديثنا عن روح الدستور ونقاشنا حوله، يجب أن يتضمن الحفاظ على وجود هذا المسار الرابط بين أمة المسلمين، وأن يبتعد الدستور عن أي صيغ أو إشارات، تعرقل التقارب بين المسلمين، أو تجرم جهود التقارب وأعمال الدعم والتعاون المفروض بين أطراف ومكونات الأمة المسلمة. قبل أن نلج إلى حديثنا عن محورية أمة الإسلام، يسعدنا أن نعبر عن تقديرنا ومحبتنا للأخ الأستاذ محمد عمر حسين، الذي يمثل لنا شريكا مشكورا في هذه السلسلة، فمنذ عرضنا عليه الفكرة وحتى مراجعته الدائمة لما نكتبه، وهو مثال للاجتهاد وإفراغ الوسع في النصح وإبداء الملاحظة، وكنا نتفق أحيانا، ونختلف أخرى، ولكن كان الود يجمعنا، ووحدة الهدف والغاية تردم ما بيننا من مسافات المكان، وإنه لمن دواعي سرورنا أن ندعوه إلى استمراره معنا أخا ناصحا مذكرا محاورا مخالفا فبهذا نحقق أخوتنا ونتضافر على تحقيق عبوديتنا لله تعالى. مفهوم الأمة وردت لفظة الأمة في القرآن الكريم بمعنى أهل الإسلام، قال عز وجل: "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" الأنبياء، وقوله سبحانه "كنتم خير أمة أخرجت للناس" آل عمران ، وقوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" البقرة .. كما أكد القرآن الكريم على وحدة المسلمين وضرورة تماسك بنيان مشروعهم، فقال سبحانه: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا" آل عمران، ونهى عن التفرق وتمزيق اللحمة بين المسلمين، بقوله تعالى: "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم" آل عمران، وقال عز وجل: "وأطيعوا الله ورسوله ولا تتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين" الأنفال. إن مفهوم الأمة في التصور الإسلامي، مسألة تتجاوز مفهوم الوطن بحدوده المتعارف عليها اليوم؛ وهو مفهوم يبني هذا التعريف على أساس الإقليم الجغرافي بغض النظر عن طبيعة الساكنين فيه، لقد جاء نص صحيفة المدينة بتعريف السيد الرسول صلى الله عليه وسلم لمجتمع المؤمنين بأنه أمة من دون الناس، وهو مفهوم يتسع دائماً ليستوعب سائر المنضمين إلى قافلة الإيمان بالرسالة الخاتمة، بغض النظر عن الموطن الأصلي لهم أو العرق أو اللون أو الخلفية الدينية أو المستوى الاجتماعي أو المادية لهم. تعطيل الأحكام الشرعية إنه مما يجب التأكيد عليه هنا، أن رفض مفهوم الأمة واستبداله بأي تعريف قاصر يترتب عليه تعطيل للكثير من أحكام الإسلام التي أكد عليها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فقوله تعالى: "إنما المؤمنون أخوة" الحجرات، يرتب على المنضوين تحت راية الإسلام، تفعيل واجبات أخوة الإيمان، التي نصت عليها الشريعة الإسلامية بين المؤمنين، والتي يندرج تحت عنوانها الكثير من الأحكام والشرائع والهدايات، والتي يمكن الإشارة إلى بعضها على النحو التالي: - الانتماء والولاء التام بين المؤمنين، قال تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" التوبة. - المناصرة والتأييد والمؤازرة، قال تعالى: "وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر، إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق، والله بما تعملون بصير" الأنفال. - التواصي بالحق والنصيحة، يقول تعالى: "والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" سورة العصر. فالخطاب القرآني والنبوي والتطبيق التاريخي، يؤكد على أن المسلمين أمة واحدة، ولا يفرق بينهم العرق أو اللون أو اللغة. فيجب أن تكون نصوصنا الدستورية معبرة عن هذا الشعب المرتبط بأمته المنتمى إليها، فهو جزء لا يتجزأ من أمة الإسلام. خصائص الأمة المسلمة 1- أمة عقيدة وإيمان إن أول ما تتميز به الأمة الإسلامية انتمائها لعقيدة واحدة قال تعالى: "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" الأنبياء، وقوله سبحانه ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) آل عمران ؛ فشعبنا والشعوب الإسلامية تؤمن بإله واحد ، لقوله تعالي ( قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد ) سورة الإخلاص ، والأمة الإسلامية تتفق على كون الإسلام مرجعية لها ، والالتزام بهذه المرجعية ، والقبول بما يصدر عنها من نظم للسلوك الفردي والجماعي .. إنه من المهم حقاً ، أن نعلم بأن القرآن الكريم قد أورد كلمة " أمة " مفردة أكثر من خمسين مرة ، في حين لم يذكر كلمة قبيلة التي كانت تشكل الرابطة الاجتماعية والسياسية للعرب في ذلك الحين إلا مرة واحدة، وبصيغة الجمع، وعلى غير القصد المتعارف عليه في ذلك العصر، قال تعالى ( يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات، وفي هذا إشارة واضحة إلى أن الإسلام جاء بمفهوم آخر مغاير لذلك السائد، وهذا المفهوم هو الأمة. إن الإسلام يقر الروابط الاجتماعية وأواصر الدم بين بني الإنسان ، إلا أنه لا يقف عندها ، بل يتعداها ويعمق مقاصد الترابط بينها .. فوحدة الأسرة ، والقبيلة والوطن ، كلها تقع ضمن دائرة الإقرار والاحترام من الإسلام ، وقد سن لها أحكاماً وآداباً ؛ فاعتنى بالأسرة وجعل التواصل والتراحم بين أفرادها من أوجب الواجبات ، ورتب على آصرتها أسباب انتقال الملكيات والتوارث والمنح والهبات والكثير من المسائل والتفاصيل في الإنفاق والآداب والوشائج والعلاقات ، وحكم للقبيلة برابطة الرحم والنسب ، وجعل بين أهلها أحكاماً في الدماء والأموال ، فهي تتضافر لتدفع ديات أبنائها ، وأبعد عنها عصبية الجاهلية ، وعظم الإسلام مقام الوطن ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحن إلى مكة المكرمة موطنه الأول ، كما أحب المدينة المنورة باعتبارها موطنه الثاني ومقر هجرته. إن احترام الإسلام لكافة تلك الروابط الطبيعية لم يحولها إلى غاية ، بل اعتبرها وسائل للتعاون والترابط ، وجعل من ائتلافها حزمةً تدفع لتقوية رابطة الأمة الواحدة ، وتدعم المفهوم الواسع لفضاء الشعوب المنضوية تحت لواء التوحيد وأمة الموحدين ، لقد ركز الإسلام على تصحيح مفهوم الأمة الواحدة ، وأكسبه المرونة اللازمة ليستوعب أطياف الأجناس والأوطان والأعراف الوافدة عليه ، وأعطاها من نفسه وروحه وصبغته ما ترتقي به وتتقوى، ويشتد بها عودها ورشدها وهداها، ولم يقبل أن تتحول هذه الروابط الجزئية إلى واقع مناقض لمفهوم الإسلام الأممي. قال صلى الله عليه وسلم "ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها؛ فإنها منتنة " ، قال ذلك لما اشتجر رجلان من الأنصار والمهاجرين، وتنادوا بدعوى الجاهلية . 2- أمة وسط : إن الشريعة والقانون الإسلامي يعترفان بكل مكونات الإنسان ، وبحقائق مرتبطة بطبيعة الخلق البشري ، فتضمن الإسلام أحكاماً وسطاً تتوازن فيها المصالح ، ولا تتضارب أو تتناقض ، قال جل شأنه ( وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً ) البقرة ، ووسطية الشريعة الإسلامية تظهر بوضوح في أحكام وتوجيهات القرآن الكريم والسنة المطهرة ؛ فهي لا تتجه اتجاه المذهب الفردي في تقديم مصالح الفرد علي مصالح الجماعة ، ولا في اتجاه المذهب الاجتماعي ، الذي يقدم مصلحة الجماعة علي مصلحة الفرد ، بل تبني الشريعة الإسلامية توازناً دقيقاً بين مصالح الفرد ومصالح الجماعة. قال تبارك وتعالى: (الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ، نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ، وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) النور إننا اليوم أقدر من أي وقت مضى؛ على فهم النفي الوارد في حق الرسالة الخاتمة بكونها لا شرقية ولا غربية ؛ وذلك بعد بأن الإسلام، يقف دائما في منطقة وسط بين الحقوق والواجبات، والعفو والعقاب. إنها بحق شريعة التوازن، والتوسط، والاعتدال. 3- أمة الشهود الحضاري إن أمة الإسلام ملتزمة بدورها الرسالي نحو الإنسان ، ولا تقف موقف المتفرج من قضايا عصرها حين يمكنها الفعل الإيجابي ، فهي أمة منفتحة غير مغلقة ، قال تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) البقرة ، وتجتمع أمتنا على وظيفة ومسؤولية حضارية هي وظيفة الدعوة ، بكل ما يعني ذلك من سعي للالتزام بتلك المرجعية في السلوك الفردي والاجتماعي ، واتخاذها أساساً لبناء النظم ووضع القوانين والآليات ، وهذا الالتزام بالمرجعية هو سبيل تحقيق الشهادة على العالمين .. إن الأمة المسلمة بحضورها الجماعي ، وتعاونها على البر والتقوى ، يجعل منها مجموعة توازن أمام القوى المتدافعة في هذا الكون ؛ فهي بإدراكها لرسالتها ، وقيامها بوظيفتها تقف دائما مع العدل والمساواة ، وتدعم الضعفاء ، وتستخدم إمكاناتها في خدمة البشرية جمعاء ، فلا تفرق بينهم مهما اختلفت الجهات ، أو تعمقت الفروق بين المتقدمين منهم والمتخلفين حضارياً ومدنياً . إننا نظلم شعوبنا ومجتمعاتنا عندما نفصلهم عن امتدادهم التاريخي مع أمتهم العربية والإسلامية ، ونسعى أن ننغلق على أنفسنا ، متناسين حقائق حركة التاريخ ومتطلباتها التي تستوجب التضامن والتعاون الكاملين لحماية الوجود ، خصوصا في واقعنا المعاصر .. إن الشعب الليبي وكل الشعوب الإسلامية تفاعلت ولا تزال مع وظيفة الشهود الحضاري ، ففي تاريخنا الحديث نقرأ بأن الليبيين كغيرهم من الشعوب الإسلامية قد أدوا دورهم الرسالي فانتشروا في إفريقيا ، يحملون دعوة الإسلام إلى الشعوب غير المسلمة ، حتى وصلوا إلى أقاصي غرب إفريقيا وأدغالها على سواحل المحيط الأطلسي ، وكان للحركة السنوسية دوراً كبيراً في الدعوة إلى الإسلام ، ولقد كان للشيخ عمر المختار رحمه الله والكثير من منتسبي الحركة مكانةً بارزةً في الدعوة إلى الإسلام في وسط وغرب إفريقيا. 4- أمة وحدة : إن الأمة المسلمة تسود بينها قيم التضامن ، والتراحم والتعاون والتعارف ، قال تعالى ( لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ) الأنفال ، وقال سبحانه ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) المائدة ، ولا شك أن هذا التضامن والتعاون يتطلب تقارباً واعترافاً باللحمة المقررة في الإسلام بين الشعوب المسلمة. إن حركة التحرر من الاستعمار التي قادتها الشعوب الإسلامية في القرن المنصرم ، والتي انتهت إلى تحرير الأوطان ؛ تعاونت فيها كل الشعوب الإسلامية وتضافرت جهودها لتحرير الأرض الإسلامية ، فحركة الجهاد في ليبيا لم تكن في معزل عن دعم المسلمين في أقاليم أخرى عربية وغير عربية ، والأمر ذاته في جهاد الجزائريين والفلسطينيين ، وما نراه اليوم في جهاد العراق وقبله بسنوات في أفغانستان ، وفي ملاحم البوسنة والهرسك .. فهذه حقائق لا يمكن أن ننكرها ، وبالتالي نلتزم بأن نجعل من دستورنا داعماً لهذه الحقيقة الواقعية والواجب الشرعي ، بالتقارب والتعاون والتضامن مع كل الشعوب المسلمة .. إن شعوبنا جميعها بحاجة إلى هذا التعاون والتضامن الإسلامي ، وما نراه من مظاهر التأييد لمختلف القضايا التي تتعلق بالمسلمين اليوم تؤكد هذه الحقيقة. الأمة أبقى من الدولة لقد ركز القرآن الكريم على مفهوم الأمة ، وأشاد بقدراتها وإمكاناتها ، وأولاها أهمية خاصة بتكرار الحديث عنها في محكم التنزيل ، فالأمة تؤسس الدولة وتنشئ الدول ، وتنهض بالمسؤوليات العظام مهما جل الموقف وعظم الخطب.. لقد تعرضت الدول والممالك الإسلامية عبر التاريخ إلى مراحل ضعف بل وانهيار وتفكك ، كما حصل مع الخلافة العباسية التي انهارت سنة 656 للهجرة ، بعد أن سقطت بغداد أمام زحف قوات التتار ، وقتل الخليفة العباسي المستعصم بالله ، ومع ذلك فإن الأمة عادت بقيادة سيف الدين قطز لتهزم التتار في معركة عين جالوت سنة 658 للهجرة .. لقد استمر وجود الأمة المسلمة على الرغم من كل ما حصل من أحداث ومحن ونكبات، استمر وجودها كوعاء عام يجمع المسلمين في مختلف أوطانهم ، واستمرت الأمة تحافظ على دورها من خلال مؤسسات المجتمع وهيئاته وشخصياته الغير رسمية .. لقد كانت تلك المؤسسات مؤثرة وجامعة للشعوب الإسلامية ، وهي مؤسسات أثبت من مؤسسات السلطة ، ومن أهم تلك المؤسسات ، المراكز والمدارس التعليمية كالمدارس النظامية والمساجد، ومؤسسات الوقف. إن الأمة في التصور الإسلامي، هي المجال الحيوي لتبني وإرساء المبادئ الإسلامية ، وهي المطبقة لقيم الإسلام التي تعيش في وجدانها وتملأ شعورها ، وإن بعُد واقع السلطة عنها؛ فقد شهدت عهود تاريخ المسلمين تراجعات تفاوتت قلة وكثرة ، وخطورة عن قيم الإسلام وتقاليده ، غير أنها لم تؤثر في هذه القيم في شيء من مضمونها ووعي المسلمين بها وبأهميتها ، ولا من التأكيد المتكرر من المفكرين والفقهاء على ضرورة الالتزام بها ، وسبب هذه الاستمرارية هو فاعلية هذه الأمة وحيويتها المتجددة .. إن القول باستمرارية الأمة تاريخياً ، استمر إلى ما نعايشه من واقع اليوم، مع أن شكل الأمة الرسمي منتفي لعدم وجود كيان حتى على المستوى النفسي يجمعهم، وارتكزت هذه الاستمرارية على: - إن الرسول صلى الله عليه وسلم خلف بعد وفاته "أمة" قبل أن يخلف إماماً أو حاكما، وأنه لو لم تكن الأمة لما وُجِدَ من يؤمّها، وبالتالي فإن الأمة هي الأصل الأصيل، وما سواها فرع يأتي تبعا لها. - إن " الأمة " بهذا المعنى باتت هي المستودع للرسالة المحمدية أي أن الأمة هي من يحفظ الإسلام متمثلا في حماية القرآن الكريم والسنة النبوية. ومما يترتب على هذه العلاقة العضوية المنشئة للأمة أن بقاءها إنما هو مرتبط بالعلة ، وليس بالمعلول ، أي أن أمة القرآن هي باقية ببقاء الذكر الحكيم ؛ أما اختفاء الإمام أو الخلافة ( الدولة ) فهو أمر وإن أضعف وحطّ من فاعلية الأمة، إلا أنه مع ذلك لا ينفي وجودها الذي يعد هو ذاته ضماناً لتجددها، فالأمة في الإسلام هي التي تفرز النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحكم مضمون الإسلام كعقيدة وشريعة ؛ ذلك المضمون الذي تحمله هذه الأمة ، والذي تؤمن به نهجاً شاملاً لحياة لا انفصام فيها بين الدنيا والآخرة ، مما يولّد في الأمة قوة دفع ذاتية للسعي الدؤوب نحو تصحيح مساراتها، وتزكية اختياراتها ، وتطوير آلياتها وأدواتها وإمكاناتها ، وتطبيق نظمها وتجسيدها في أرض الواقع. إننا اليوم مطالبين أكثر من أي وقت مضى إلى العودة لبناء مفهوم الأمة في مجتمعنا مستندين بذلك إلى مرجعية المجتمع الليبي العليا وهي الإسلام مستهدين بنصوص أصوله في القرآن الكريم والسنة النبوية، وأن ندون دستورنا معترفين بهذه الرابطة التي تترتب عليها مصالحنا في الدنيا وتتناغم مع عقيدتنا الإسلامية.

 

الكاتب: د. علي الصلابي 

       أ. إسماعيل كريتلي 

المصدر: حركة التوحيد والإصلاح 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022