من كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار (ج1)
الأيام الأخيرة في حياة معاوية رضي الله عنه
الحلقة: التاسعة والستون
بقلم الدكتور: علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1442 ه/ نوفمبر 2020
1 ـ وصية معاوية رضي الله عنه ليزيد:
لما حضر معاوية الموت وذلك سنة 60 هـ وكان يزيد غائباً، دعا بالضحاك بن قيس الفهري ـ وكان صاحب شرطته ـ ومسلم بن عقبة المري، فأوصى إليهما فقال: بلِّغا يزيد وصيتي، انظر أهل الحجاز فإنهم أصلك، فأكرم من قدم عليك منهم، وتعهد من غاب، وانظر أهل العراق، فإن سـألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملاً فافعل، فإن عزل عامل أحب إليَّ من أن تشهر عليك مئـة ألف سيف، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك، فإن نابك شيء من عدوك فانتصر بهم، فإن أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم، فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم أخذوا بغير أخلاقهم، وإني لست أخاف من قريش إلا ثلاثة حسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، فأما ابن عمر فرجل قد وقذه الدين، فليس ملتمساً قِبَلك، وأما الحسين بن علي فإنه رجل خفيف، وأرجو أن يكفيه الله بمن قتل أباه، وخذل أخـاه، وإن لـه رحماً ماسّـة، وحقاً عظيماً، وقرابة محمد ﷺ، ولا أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه، فإن قدرت عليه فاصفح عنه، فإني لـو أني صاحبـه عفوت عنـه، وأما ابن الزبير فإنـه خَبٌّ ضَبٌّ، فـإذا شخص لك فالبد له، إلا أن يلتمس منك صلحاً، فإن فعل فاقبل، واحقن دماء قومك ما استطعت.
تظهر في هذه الوصية كفاية معاوية ودهائه السياسي من خلال تشخيصه لأهمية الأمصار ومدى تأثيرها المستقبلي على أوضاع الدولة الأموية، فذكر في وصيته ثلاثة أقاليم فقط؛
هي: الحجاز والعراق والشام، ذلك أن الأوضاع السياسية خارج دائرة هذه الأقاليم، لم تكن تثير أي هموم جدية لدى معاوية.
أ ـ الحجاز: فبالنسبة للحجاز يوصي معاوية ابنه قائلاً: انظر أهل الحجاز فإنهم أصلك، فأكرم من قدم عليك منهم وتعهد من غاب. ويأتي اهتمام معاوية بالحجاز فضلاً عن كونه محل أهله وعشيرته؛ فهو من الناحية السياسية كان ولوقت قريب مركز الثقل السياسي للدولة الإسلامية «مقر الخلافة»، ومن الناحية الدينية لم يزل يحتل مركز الصدارة لاحتضانه جل ما تبقى من صحابة الرسول ﷺ، وبإمكانه تقويض حكم بني أمية فيما لو اجتمعت كلمته وأتيحت الفرصة له، وهو بعد ذلك لا يزال المكان الحقيقي للبيعة، والأهم من ذلك كله فإنه يضم عدداً من الشخصيات المعارضة للحكم الأموي، أمثال: الحسين بن علي رضي الله عنهما، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وابن عباس رضي الله عنهم جميعاً، كما سنرى ذلك في الفقرات اللاحقة من الوصية، ولذلك نرى معاوية يحث يزيد على استخدام مختلف الوسائل لاستقطاب الحجاز بما في ذلك إغداق الأموال، ولهذه الأسباب أيضاً وضع معاوية السلطة في هذا الإقليم تحت مراقبته المباشرة، حيث قام بتنفيذ سياسته في البيت الأموي، وقام بتشجيع مختلف النشاطات غير السياسية المناهضة له فيه، واهتم بأهله اهتماماً خاصاً.
ب ـ العراق: أما الأقليم الثاني الذي يثير اهتمام معاوية فهو العراق، لذا يوصي ولي عهده أن يعامل أهل العراق معاملة خاصة، فيقول: انظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل كل يوم عاملاً فافعل، فإن عزل عامل أحب إليّ من أن يشهر عليك مئة ألف سيف، ومن الجدير بالذكر أن شكايـة أهل العراق من ولاتهم كانت منذ عهـد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ج ـ الشـام: أما الإقليم الثالث هو الشام، فإن وصية معاوية به تأتي من باب رد الجميل لأهل الشام لدورهم الكبير في مساندته بالوصول إلى الحكم، وتأييدهم المستمر لسياسته، لذا يوصي ابنه أن يجعلهم محل ثقته وعنايته، وأن يدَّخرهم للمهمات الجسام في قوله: وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك؛ فإن نابك شيء من عدوك فانتصر بهم، فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم، فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم أخذوا بغير أخلاقهم. وتظهر الفقرة الأخيرة من هذا النص بُعد نظر معاوية السياسي، فهو يسدي مخاوفه من اختلاط أهل الشام ببقية سكان الأقاليم الأخرى، فتتبدل أخلاقهم نتيجة مكوثهم مدة طويلة، ولربما استطاع المعارضون للحكم الأموي التأثير على جند الشام، على الرغم من التقاء مصالحهم مع مصالح البيت الأموي، فتسقط من يد الخلافة الأموية الورقة الرابحة التي طالما استخدمها معاوية وقطف ثمارها، ولهذا يوصي معاوية ابنه بأن يسرع في إعادة جند الشام إلى بلادهم حال انتهاء مهمتهم.
ومن أهم ما في وصية معاوية: خطته التي رسمها لولي عهده في مواجهة الأحداث المقبلة، وأوكل إليه تنفيذها بعد أن عجز هو عن إقناع نفر من قريش بالبيعة ليزيد على الرغم من أن الروايات تذكر أن معاوية ذهب إلى الحجاز لهذا الغرض، والتقى بالشخصيات التي رفضت البيعة ليزيد كلاًّ على انفراد في محاولة للحصول منهم على وعود بالبيعة، إلا إن هذه الجهود لم تثمر في تذليل المصاعب قبل ظهورها، والوصية تظهر أن الحجاز، وتحديداً المدينة، هي أكثر البلدان معارضة لحكم بني أمية، ولهذا يوصي معاوية ابنه أن يكون حذراً ودقيقاً في تعامله معها، وأن يكون حازماً شديداً حين يتطلب الأمر ذلك، ومرناً ليناً مع من لا يشكلون خطراً حقيقياً عليه، لما للحجاز من أهمية بالغة في تقرير وتثبيت الحكم.
وكان معاوية رضي الله عنه مصيباً في رأيه بعبد الله بن عمر من أنه رجل قد وقذه الدين، ولا خطر على يزيد منه، وذلك أن الوليد بن عتبة حين طلبه للبيعة قال: إذا بايعت الناس بايعت، فتركوه لثقتهم بزهادته في الأمر وشغله بالعبادة، وكان مصيباً في حدسه من أن أهل العراق لن يتركوا الحسين بن علي رضي الله عنهما حتى يخرجوه، ويبدو أنه كان متأكداً من وقوع الاصطدام بينهما، لذلك طلب من يزيد أن يعفو عنه إذا تمكن منه.
أما الخطر الحقيقي والذي يتطلب الحزم والشدة فإنه يأتي من عبد الله بن الزبير الذي كان يتمتع على ما يبدو بتأييد واسع النطاق بين معظم المعارضين للحكم الأموي، ولأنه كان رجل سياسة وحرب من الطراز الأول، وعلى الجملة فإن وصية معاوية تعكس سياسته ودهاءه في تصريف الأمور، فنراه من خلال الوصية يتعامل مع الأحداث التي تتطلب الشدة بالحزم، وفيما عدا ذلك فهو يستخدم خبرته وتجربته السياسية الطويلة في مواجهة الأحداث، وقد وصف معاوية نفسه مشيراً إلى هذه السياسة بقوله: إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت أبداً. فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: كنت إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددته.
وكان على الدوام يوصي يزيد بهذه السياسة فيقول له: عليك بالحلم، والاحتمال حتى تمكنك الفرصة، فإذا أمكنك فعليك بالصفح؛ فإنه يدفع عنك معضلات الأمور، ويقيك مصارع المحذور.
وفي هذه الوصية يلخص معاوية رضي الله عنه منهجه وخبرته في السياسة والإدارة لابنه يزيد في كلمات قليلة جامعة تنم عما يتمتع به هذا الصحابي الكريم من حنكة سياسية وبراعة إدارية.
2 ـ آخر خطبـة لمعاويـة رضي الله عنـه، واشتـداد مرضـه ووفـاتـه:
كانت آخر خطبة خطبها معاوية رضي الله عنه قوله: أيُّها الناس إني من زرع قد استحصد، وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد بعدي إلا من هو شر مني، كما كان من وليكم قبلي خيراً مني، ويا يزيد إذا وفى أجلي فوَلِّ غسلي رجلاً لبيباً، فإن اللبيب من الله بمكان فليُنعم الغسل وليجهر بالتكبير، ثم اعمد إلى منديل في الخزانة فيه ثوب من ثياب رسول الله ﷺ، وقُراضة من شعره وأظفاره فاستودع القراضة أنفي وفمي وأُذُنيَّ وعيْنيَّ، واجعل الثوب يلي جلدي دون أكفاني، ويا يزيد احفظ وصية الله في الوالدين، فإذا
أدرجتموني في جريدتي، ووضعتموني في حفرتي فخلوا معاوية وأرحم الراحمين.
ولما احتضر معاوية جعل يقول:
لعمري لقد عُمِّرتُ في الدَّهْرِ بُرهةً
ودانتْ ليَ الدُّنيا بوقعِ البواتِرِ
وأعطيتُ حُمْرَ المالِ والحكمِ والنّهى
وسِلْمَ قماقيم الملوكِ الجبابرِ
فأضحى الذي قد كان ممَّا يَسُرُّني
كحلم مضى في المزمناتِ الغوابرِ
فيا ليتني لم أُعْنَ في الملكِ ساعةً
ولم أُعْنَ في لذاتِ عيشٍ نواضرِ
وكنت كذي طِمْرين عاشَ ببُلْغَةٍ
من العيش حتى زارَ ضيقَ المقابِرِ
وقد أوصى معاوية بنصف ماله أن يرد إلى بيت المال؛ كأنه أراد أن يُطيَّب له، لأن عمر بن الخطاب قاسم عمّاله. وذكروا أنه في اخر عمره اشتد به البَرْدُ فكان إذا لبس أو تغطَّى بشيء ثقيل يَغُمُّه، فاتُّخذ له ثوب من حواصل الطير، ثم ثقل عليه بعد ذلك، فقال: تبَّاً لك من دار ملكتك أربعين سنة، عشرين أميراً، وعشرين خليفة، ثم هذا حالي فيك، ومصيري منك، تباً للدنيا ومُحبِّيها.
ولما اشتد المرض وتحدث الناس أنه الموت قال لأهله: احشوا عيْنيّ إثمداً، وأوسعوا رأسي دُهناً. ففعلوا وبرّقوا وجهه بالدهن، ثم مُهِّد له فجلس وقال: أسندوني. ثم قال: ائذنوا للناس فليُسلموا عليَّ قياماً ولا يحبس أحد. فجعل الرجل يدخل فيُسلم قائماً فيراه متكحِّلاً مُتدهِّناً، فيقول متقوِّل الناس: هو لمّا به، وهو أصح الناس، فلما خرَجوا من عندهتمثل معاوية بقول أبي ذؤيب الهذلي الشاعر:
وتجلُّدي للشَّامِتينَ أُرِيهِمُ
أَنِّي لريبِ الدَّهْرِ لا أتضعضعُ
وإذا المنيةُ أنشبتْ أظفارَها
ألفيتَ كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ
وكان به النقابة، فمات من يومه ذلك، وكان يقول لما نزل به الموت: يا ليتني كنت رجلاً من قريش بذى طوى ولم أَلِ من هذا الأمر شيئا، ومن الشعر الذي تمثل به أيضاً قول الشاعر:
إن تناقشْ يكنْ نقاشُكَ يا ربِّ
عذاباً لا طوقَ لي بالعذاب
أو تجاوزْ تجاوزَ العفوِ فاصفحْ
عن مسيءٍ ذنوبُه كالتُّرابِ
وقال رضي الله عنه وهو يُقَلبّ في مرضه، وقد صار كأنه سعفة محترقة: أي شيخ تقلِّبون إن نجاه الله من النار غداً؟ وقال الحسن البصري: دُخل على معاوية وهو بالموت، فبكى، فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على الموت أن حل بي، ولا على دنيا أخلفها، ولكن هما قبضتان: قبضة في الجنة، وقبضة في النار، فلا أدري في أي القبضتين أنا.
وأغمي على معاوية رضي الله عنه في سكرات الموت، ثم أفاق فقال لأهله: اتّقوا الله، فإن الله يَقي من اتَّقاه ولا يَقي من لا يَتَّقي، وجعل معاوية رضي الله عنه لما احتضر يضع خده على الأرض ثم يُقلِّب وجهه ويضع الخد الاخر ويبكي ويقول: اللهم إنك قلت في كتابك: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰٓ إِثۡمًا عَظِيمًا ٤٨} [سورة النساء:48] اللهم اجعلني ممَّن تشاء أن تغفر له ومن دعائه في ذلك اليوم: اللهم أقل العثرة، واعف عن الزلة، وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يَرْجُ غيرك، فإنك واسع المغفرة، ليس لذي خطيئة من خطيئته مهرب إلا إليك ثم مات. وجاء في رواية: اللهم إني قد أحببت لقاءك فأحبب لقائي. رحم الله معاوية رضي الله عنه.
3 ـ سنة وفاة معاوية، ومن صلى عليه:
قال الطبري: في هذه السنة هلك معاوية بن أبي سفيان بدمشق، فاختلف في وقت وفاته بعد إجماع جميعهم على أن هلاكه كان في سنة ستين من الهجرة وفي شهر رجب وقال ابن حجر: مات معاوية في رجب سنة ستين على الصحيح.
وصلى على معاوية الضحاك بن قيس الفهري، وكان يزيد غائباً حين مات معاوية، فقد خرج الضحاك حتى صعد المنبر وأكفان معاوية على يديه تلوح، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن معاوية كان عود العرب، وحدّ العرب، قطع الله عز وجل به الفتنة وملَّكهُ على العباد، وفتح به البلاد. ألا إنه قد مات، فهذه أكفانه فنحن مدرجوه فيها، ومدخلوه قبره، ومُخَلُّون بينه وبين عمله، ثم هو البرزخ إلى يوم القيامة، فمن كان منكم يريد أن يشهده فليحضر عند الأولى.
وبعث البريد إلى يزيد بوجع معاوية، وقد اختلف المؤرخون هل حضر يزيد وفاة أبيه أم لا؟ والصحيح أن يزيد لم يدرك والده حياً، وإنما جاء بعد موته. ولما وصل يزيد الخبر قال:
جاءَ البريدُ بقرطاسٍ يخبُّ بهِ
فأوجسَ القلبُ من قرطاسِئهِ فَزَعَا
قلنا: لكَ الويلُ ماذا في كتابِكُمُ؟
قالوا: الخليفةُ أمسى مثبتاً وَجِعَا
فمادتِ الأرضُ أو كادتْ تميدُ بنا
كأنَّ أغبرَ من أركانِهَا انقطعا
من لا تزال نفسُه توفي على شرفٍ
توشكُ مقاليدُ تلك النفسِ أنْ تَقَعَا
لما انتهينا وبابُ الدَّارِ منصفِقٌ
وصوت رملة رِيعَ القلبُ فانصدَعا
4 ـ عمر معاوية رضي الله عنه عند وفاته:
على القول الراجح: توفي معاوية وهو ابن ثمانٍ وسبعين سنة، بدليل قول ابن حجر: إن مولده كان قبل البعثة بخمس سنوات على الأشهر، وكما هو معروف فإن بعثة الرسول ﷺ قبل الهجرة بثلاث عشرة سنة، وبذلك يكون مولد معاوية قبل الهجرة بثماني عشرة سنة، ولما كانت وفاته سنة ستين، فهذا يعني أن عمره عند وفاته كان ثمانيَ وسبعين سنة.
5 ـ مدة خلافته:
تنازل الحسن بن علي لمعاوية بالنخيلة، وتمت بيعته في شهر ربيع الأول من عام 41 هـ، ومات بدمشق سنة 60 هـ يوم الخميس لثمانٍ بقين من رجب، وكانت ولايته تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وسبعة وعشرين يوماً.
6 ـ ما قيل فيه من رثاء:.
قال أبو الورد العنبري يرثي معاوية رضي الله عنه:
ألا أنعي معاويةَ ابنَ حربٍ
نعاهُ الحلُّ للشهر الحرام
نعاه الناعجاتُ بكل فجٍّ
خواضعُ في الأزمَّةِ كالسِّهامِ
فهاتيك النجوم وهنَّ خُرْسٌ
ينحْنَ على معاويةَ الشامِ
وقال أيمن بن خزيم يرثيه أيضاً:
رَمَى الحدثان نسوةُ ال حربٍ
بمقدارٍ سمدنَ له سُمودا
فرَدَّ شعورهنَّ السُّود بيضاً
ورد وجوههن البيض سُودا
فإنك لو شهدت بكاءَ هندٍ
ورملةَ إذ يُصَفِّقْنَ الخُدودا
بكيتَ بكاءَ مُعْوِلةٍ قَرِيحٍ
أصابَ الدهرُ واحدَها الفريدا
7 ـ ما قاله ابن عباس في موت معاوية رضي الله عنهم:
قال عامر بن مسعود الجهني: مرّ بنا نعيُ معاوية ونحن في المسجد، فأتينا ابن عباس، فوجدناه جالساً وقد وضع خوان، وعنده نفر، ولم يوضع الطعام، فقلنا: يا بن عباس أما علمت بهذا الخبر؟ فقال: وما هو؟ قلنا: هلك معاوية. فقال: ارفع خوانك يا غلام، وسكت ساعة هاجماً، ثم قال: جبل تزعزع ثم زال بجمعه في البحر. قال القاضي أبو يعلى بعدما ذكر القصة: اللهم أنت أوسع لمعاوية كنفاً، وأحسن من تجاوز عنه وعنّا.
8 ـ نقش خاتمه:
كان نقش خاتمه: لكل عمل ثواب، وقيل: لا قوة إلا بالله.
9 ـ التبرك بآثار الرسول ﷺ:
عن عبد الأعلى بن ميمون، عن أبيه: أن معاوية قال في مرضه الذي مات فيه: إن رسول الله ﷺ كساني قميصاً فرفعته، وقلَّم أظفاره يوماً، فأخذت قلامته فجعلتها في قارورة، فإذا مت فألبسوني ذلك القميص، وقطَّعوا تلك القلامة، واسحقوها وذُرُّوها في عيني، وفي فيّ، فعسى الله أن يرحمنى ببركتها.
ويعتبر تبرك الصحابة رضوان الله عليهم باثار النبي ﷺ الحسية المنفصلة عنه، من أنواع التبرك المشروع؛ حيث فعله الصحابة رضوان الله عليهم أثناء حياته ﷺ وبعد مماته، كما فعله السلف الصالح رحمهم الله تعالى، ومن الأدلة على ذلك:
أ ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء رسول الله ﷺ يعودني وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ، وصب علي من وضوئه فعقلت.
ب ـ عن عثمان بن عبد الله بن وهب قال: أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء فيها شعر من شعر النبي ﷺ، وكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها مخضبة قال ابن حجر: بعث إليها مخضبة ـ وهو من جملة الآنية ـ والمراد أنه كان من اشتكى أرسل إناء إلى أم سلمة فتجعل فيه تلك الشعرات وتغسلها فيه وتعيده، فيشربه صاحب الإناء أو يغتسل بعده استشفاءً بها، فتحصل له.
جـ. وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها؛ قالت في جبة رسول الله ﷺ: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت، قبضتها، وكان النبي ﷺ يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يُستشفى بها.
وقد فرّع العلماء على مسألة التبرك باثار الرسول ﷺ مسألة التبرك بفضلات الصالحين، واثارهم ففي حديث عروة بنى مسعود وهو يصف أصحاب رسول الله ﷺ حوله، قال: فوالله ما تنخم رسول الله ﷺ نخامة إلاوقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده... وإذا توضَّأ كادوا يقتتلون على وضوئه.
وقد علق الشاطبي على هذا الحديث، وأحاديث أخرى تماثله، فقال: فالظاهر في مثل هذا النَّوع أن يكون مشروعاً في حق من ثبتت ولايته، واتِّباعه لسنة رسول الله ﷺ، وأن يتبرك بفضل وضوئه، ويُتدلَّك بنخامته، ويُستشفى باثاره كلِّها، إلا أنَّه عارضنا في ذلك أصل مقطوع به في متنه مشكل في تنزيله، وهو أن الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه السلام لم يقع من أحد منهم في شيء من ذلك بالنِّسبة إلى مَنْ خَلَفه، إذ لم يترك النبي ﷺ بعد موته أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهو خليفته، ولم يفعل به شيء من ذلك، ولا عمر رضي الله عنه وهو كان أفضل الأمة بعده، ثمّ كذلك عثمان بن عفان، ثمّ علي، ثمّ سائر الصحابة الذين لا أحد أفضل منهم في الأمَّة، ثمَّ لم يثبت لواحد منهم من طريق صحيح معروف أن متبرِّكاً تبرك به من أحد تلك الوجوه، أو نحوها، بل اقتصروا على الاقتداء بالأفعال، والأقوال، والسير التي اتَّبعوا فيها النبي ﷺ، فهو إذاً إجماع منهم على ترك تلك الأشياء.
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com