من كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الانهيار (ج1)
أهم أعمال يزيد في عهد والده؛ غزو القسطنطينية
الحلقة: الحادية والسبعون
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الأول 1442 ه/ نوفمبر 2020
تكمن أهمية هذه الغزوة بذكرها في الحديث الشريف، وفضيلتها وفضيلة أهلها المجاهدين، فقد ثبت في الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول ﷺ إذا ذهب إلى قباء يدخل إلى أم حرام بنت ملحان فتطعمه ـ وكانت تحت عبادة بن الصامت ـ فدخل يوماً، فأطعمته، فنام رسول الله ﷺ، ثم استيقظ يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ فقال: «ناس من أمتي عُرضوا عليَّ غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة ـ أو قال: مثل الملوك على الأسرة » قلت: ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ يضحك، فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ فقال: «ناس من أمتي عُرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج البحر ملوكاً على الأسرة ـ أو مثل الملوك على الأسرة » فقلت: ادع الله أن يجعلني منهم قال: «أنت من الأولين»، فركبت البحر زمن معاوية، فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت. وفي رواية: «أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم» .
قال ابن كثير في تعليقه على هذا الحديث: وقد كان ذلك في سنة سبع وعشرين مع معاوية حين استأذن عثمان في غزو قبرص، فأذن له، فركب المسلمون في المركب حين دخلها وفتحها قسراً، وتوفيت أم حرام في هذه الغزوة في البحر، وكانت مع معاوية فاختة بنت قرظة. وأما الثانية فكانت في سنة اثنين وخمسين في أيام ملك معاوية، بعث ابنه يزيد ومعه الجنود إلى غزو القسطنطينية، ومعه في الجيش جماعة من سادات الصحابة؛ منهم: أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد رضي الله عنه، فمات هناك وأوصى إلى يزيد بن معاوية، وأمره أن يدفنه تحت سنابك الخيل، وأن يوغل إلى أقصى ما يمكن أن تنتهي به إلى نحو جهة العدو، ففعل ذلك .
وفضيلة غزو القسطنطينية ليزيد، جعلت الذهبي مع شدة حمله على يزيد يقول: يزيد بن معاوية أبو خالد الأموي له هنات حسنة، وهي غزو القسطنطينية، وكان أمير ذلك الجيش وفيهم مثل أبي أيوب الأنصاري ، وما أجمل قول ابن تيمية: ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيحمد ويذم، ويثاب ويعاقب، ويحب من وجه ويبغض من وجه، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافاً للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم .
ويبدو أن يزيد قد قام ببعض الحملات حتى وصل إلى خليج القسطنطينية ومعه زوجته أم كلثوم ، ويبدو أن معرفة يزيد بحرب الروم، وإدراكه بخطرهم الداهم، وأخذه بنصيحة والده رضي الله عنه، فكان اخر ما أوصى به معاوية أن قال: شد خناق الروم ، كل هذه الأمور جعلته بعد أن تولى الخلافة يسير على خطته في جهاد الروم، ولم تمنعه أحداث ابن الزبير وشيعة العراق من قتالهم ، وقد كانت وفاة يزيد فيما بعد متنفساً للروم، ليس فقط في وقف الهجمات الحربية عليهم من قبل المسلمين، بل بلغت بهم الجرأة إلى الإكثار من الغارات على بلاد الشام ومنطقة الثغور ، ولما عاد يزيد من غزوة القسطنطينية في نفس السنة حج بالناس .
وهذه الأعمال التي قام بها يزيد في غاية الأهمية في ذلك العصر، فكان يزيد يقود جيشاً من أعظم الجيوش في عصره، ويضم نخبة من الصحابة وأكابرهم وساداتهم وأبنائهم، ويتجه هذا الجيش بقيادة يزيد إلى أهم جبهة في الدولة الإسلامية، وغير هذه الاعتبارات تدل على أن يزيد الذي يبلغ من العمر حين قيادة هذا الجيش ما بين (21 ـ 23 سنة) يملك روحاً قيادية وكفاءة حربية ، ولم يعترض أحد من الصحابة أو غيرهم على قيادة يزيد في تلك المرحلة، كما أن هذا التصرف من معاوية رضي الله عنه في تولية يزيد هذا الجيش ـ والذي يضم أكابر الصحابة وأبنائهم وفقهائهم وسادات المسلمين؛ فيه دلالة على أن معاوية رضي الله عنه، يرى في ولده يزيد ملامح النجابة والكفاءة التي تؤهله لقيادة هذا الجيش .
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com