الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

من كتاب السِّيرة النَّبويّة للدكتور علي محمّد محمّد الصّلابيّ

الحلقة السابعة والثلاثون

أساليب النبي ﷺ في تعامله مع كفار مكة

كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قد أقام الحجج، والبراهين، والأدلَّة على صحَّة دعوته، وكان صلى الله عليه وسلم يتقـن اختيار الأوقات، وانتهاز الفرص والمناسبـات، ويتصدَّى للردِّ على الشُّبهات مهما كان نوعها، وقد استخدم في مجادلته مع الكفار أساليب كثيرةً، استنبطها من كتـاب الله تعالى في إقامة الحجَّة العقليَّـة، واستخدام الأقيسة المنطقيَّة، واستحضار التَّفكير، والتأمُّل، ومن الأساليب الَّتي استخدمها صلى الله عليه وسلم مع كفَّار مكَّة:

  1. أسلوب المقارنة:

وذلك بعرض أمرين: أحدهما هو الخير المطلوب التَّرغيب فيه، والآخر هو الشَّرُّ المطلوب التَّرهيب منه، وذلك باستثارة العقل للتفكُّر في كلا الأمرين، وعاقبتهما، ثمَّ الوصول - بعد المقارنة - إلى تفضيل الخير، واتِّباعه.

قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 122] .

قال ابن كثيرٌ في تفسيره: «هذا مثلٌ ضربه الله تعالى للمؤمن الَّذي كان ميتاً؛ أي: في الضلالة هالكاً حائراً، فأحياه الله؛ أي: أحيا قلبه بالإيمان وهداه له، ووفَّقه لاتِّباع رسله».

  1. أسلوب التَّقرير:

وهو أسلوب يؤول بالمرء بعد المحاكمة العقليَّة إلى الإقرار بالمطلوب، الَّذي هو مضمون الدَّعوة، قال تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ *أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ *أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسْيطِرُونَ *أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ *أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ *أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ *أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ *أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ *أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ *وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ *فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ﴾ [الطور: 35 - 45] .

قال ابن كثير في تفسيره: «هذا المقام في إثبات الرُّبوبية، وتوحيد الألوهيَّة، فقال تعالى: أي: أَوُجِدُوا من غير مُوجدٍ؟ أم ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾ أوْجَدُوا أنفسهم؟ أي: لا هذا، ولا هذا؛ بل الله هو الَّذي خلقهم، وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكوراً».

وهذه الآية في غاية القوَّة من حيث الحجَّة العقليَّة؛ لأنَّ «وجودهم هكذا من غير شيءٍ أمر ينكره منطق الفطرة ابتداءً، ولا يحتاج إلى جدلٍ كثيرٍ، أو قليل، أمَّا أن يكونوا هم الخالقين لأنفسهم؛ فأمرٌ لم يدَّعوه، ولا يدَّعيه مخلوقٌ، وإذا كان هذان الفرضان لا يقومان بحكم منطق الفطرة؛ فإنَّه لا يبقى سوى الحقيقة الَّتي يقولها القرآن، وهي أنهم جميعاً من خلق الله الواحد الَّذي لا يشاركه أحدٌ» والتَّعبير بالفطرة مضمون الأمر المقرَّر بداهةً في العقل.

وتأمَّلْ هذا الإلزام بالإقرار بربوبيَّة الله وألوهيته، فيما ذكره السَّعديُّ في تفسيره، حيث قال: «وهذا استدلالٌ عليهم، بأمرٍ لا يمكنهم فيه إلا التَّسليم للحقِّ، أو الخروج عن موجب العقل والدِّين، وبيان ذلك: أنَّهم منكرون لتوحيد الله، مكذِّبون لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك مُستَلزِمٌ لإنكار: أنَّ الله خلقهم، وقد تقرَّر في العقل مع الشَّرع: أنَّ ذلك لا يخلو من أحد ثلاثة أمورٍ: إمَّا أنَّهم خلقوا من غير شيءٍ، أي: لا خالق خلقهم، بل وجدوا من غير إيجادٍ، ولا موجد، وهذا عين المُحال، أم هم الخالقون لأنفسهم، وهذا أيضاً محالٌ؛ فإنَّه لا يُتصوَّر أن يوجد أحدٌ نفسه، فإذا بطل هذان الأمران، وبان استحالتهما، تعيَّن القسم الثَّالث، وهو أنَّ الله هو الَّذي خلقهم، وإذا تعيَّن ذلك عُلم: أنَّ الله هو المعبود وحده، الَّذي لا تنبغي العبادة، ولا تصلح إلا له تعالى».

  1. أسلوب الإمرار، والإبطال:

وهو أسلوبٌ قويٌّ في إفحام المعاندين أصحاب الغرور، والصَّلَف بإمرار أقوالهم، وعدم الاعتراض على بعض حججهم الباطلة؛ منعاً للجدل، والنِّزاع، خلوصاً إلى حجَّةٍ قاطعةٍ تدمغهم، وتبطل بها حجَّتهم تلك، فتبطل الأولى بالتَّبع، وفي قصَّة موسى - عليه السَّلام - مع فرعون، نموذجٌ مطوَّلٌ لهذا الأسلوب؛ حيث أعرض موسى عن كلِّ اعتراضٍ وشبهةٍ أوردها فرعون، ومضى إلى إبطال دعوى الإلهية لفرعون، من خلال إقامة الحجَّة العقليَّة الظَّاهرة على ربوبيَّة الله، وألوهيَّته، وذلك في الآيات من سورة الشُّعراء، قال تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائكم الأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾[الشعراء: 23 - 29].

وهكذا كانت الأساليب القرآنيَّة الكريمة، هي الرَّكيزة، في مجادلة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمشركين، ولـمَّا احتار المشركون في أمر الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، ولم يكونوا على استعدادٍ في تصديقه: أنَّه رسولٌ من عند الله، ليس لأنَّهم يكذِّبونه، وإنَّما عناداً وكفراً، كما قال تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيات اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33]، هداهم تفكيرُهم المعوَجُّ إلى أن يطلبوا من الرَّسول صلى الله عليه وسلم مطالب ليس الغرض منها التَّأكد من صدق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولكن غرضهم منها التعنُّت والتَّعجيز، وهذا ما طلبوه من الرَّسول صلى الله عليه وسلم:

  • أن يفجر لهم من الأرض ينبوعاً؛ أي: يُجري لهم الماء عيوناً جاريةً.
  • أو تكون له جنَّة من نخيل وعنبٍ يفجِّر الأنهار خلالها تفجيراً؛ أي: تكون له حديقة فيها النَّخل والعنب، والأنهار تُفَجَّرُ بداخلها.
  • أو يسقط السَّماء كسفاً عليهم؛ أي: يسقط السَّماء قطعاً كما سيكون يوم القيامة.
  • أو يأتي بالله والملائكة قبيلاً.
  • أو يكون له بيتٌ من زُخْرُفٍ؛ أي: ذهب.
  • أو يرقى في السَّماء؛ أي: يتَّخذ سُلَّماً يرتقي عليه، ويصعد إلى السَّماء.
  • وينزِّل كتاباً من السَّماء يقرؤونه، يقول مجاهد: أي: مكتوبٌ فيه إلى كلِّ واحدٍ صحيفةً، هذا كتابٌ من الله لفلان بن فلانٍ، تصبح موضوعةً عند رأسه.
  • طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم، فيُسَيِّر لهم الجبال، ويقطع الأرض، ويبعث من مضى من ابائهم من الموتى.

إنَّ عملية طلب الخوارق والمعجزات، هي خطَّةٌ متَّبعةٌ على مدى تاريخ البشريَّة الطَّويل، وبرغم حرص النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على إيمان قومه، وتفانيه في ذلك، إلا أنَّه رفض طلبهم هذا؛ لأنَّه علم من آيات القرآن: أنَّهم إن لم يؤمنوا بعد إجابتهم لما طلبوا؛ عُذِّبُوا عذاباً شديداً، وكانت إجابته صلى الله عليه وسلم : «ما بهذا بعثت إليكم، إنَّما جئتكم من الله بما بعثني به، وقد بلَّغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه؛ فهو حظُّكم في الدُّنيا والآخرة، وإن تردُّوه عليَّ؛ أصبرُ لأمر الله تعالى حتى يحكم الله بيني وبينكم» [سبق تخريجه].

وانصرف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزيناً أَسِفاً لما فاته، ممَّا طمِع فيه من قومه حين دعوه، ولـمَّا رأى من مباعدتهم إيَّاه، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه التعنُّتات، والردَّ عليها في قوله تعالى: ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِّيِكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً *وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولاً *قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلاَئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولاً *قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 90 - 96].

ونزل قوله سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّ قرآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾[الرعد: 31].

إنَّ الحكمة في أنَّهم لم يُجابوا لما طلبوا: أنَّهم لم يسألوا مسترشدين وجادِّين، وإنَّما سألوا متعنِّتين، ومستهزئين، وقد علم الحقُّ سبحانه: أنَّهم لو عاينوا، وشاهدوا ما طلبوا، لما امنوا، وللجُّوا في طغيانهم يعمهون، ولظلُّوا في غيِّهم وضلالهم يتردَّدون، قال سبحانه: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيات عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ *وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ *وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴾ [الأنعام: 109 - 111].

ولهذا اقتضت الحكمة الإلهيَّة، والرَّحمة الرَّبَّانيَّة، ألا يجابوا إلى ما سألوا؛ لأنَّ سنَّته سبحانه: أنَّه إذا طلب قومٌ آيات، فأجيبوا، ثمَّ لم يؤمنوا؛ عذَّبهم عذاب الاستئصال، كما فعل بعادٍ، وثمود، وقوم فرعون.

وليس أدلَّ على أنَّ القوم كانوا متعنِّتين، وسآخرين، ومعوِّقين لا جادِّين، من أنَّ عندهم القرآن، وهو ايةُ الآيات، وبيِّنةُ البيِّنات؛ ولذلك لـمَّا سألوا ما اقترحوا من هذه الآيات، وغيرها؛ ردَّ عليهم سبحانه بقوله: ﴿وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيات مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيات عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ *أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ *قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [العنكبوت: 50 - 52] .

وقد ذكر عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنه روايةً، مفادها: أنَّ قريشاً قالت للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ادعُ لنا ربك أن يجعل لنا الصَّفا ذهباً، ونؤمن بك. قال: وتفعلون؟ قالوا: نعم. قال: فدعا؛ فأتاه جبريل، فقال: إنَّ ربك - عزَّ وجلَّ - يقرأ عليك السَّلام، ويقول: إن شئت؛ أصبح لهم الصَّفا ذهباً، فمن كفر بعد ذلك منهم عذَّبته عذاباً لا أعذِّبه أحداً من العالمين، وإن شئت، فتحت لهم أبواب التَّوبة، والرَّحمة، فقال: بل باب التَّوبة، والرَّحمة؛ فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيات إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيات إِلاَّ تَخْوِيفًا ﴾ [الإسراء: 59] [الحاكم (1/53) و(4/240) والبزار (2224) والبيهقي (7/50)] .

لقد كان هدف زعماء قريش من تلك المطالب، هو شنُّ حربٍ إعلاميَّةٍ ضدَّ الدَّعوة، والدَّاعية، وتامراً على الحقِّ؛ كي تبتعد القبائل العربيَّة عنه صلى الله عليه وسلم ؛ لأنَّهم يطالبونـه بأمورٍ يدركـون: أنَّها ليست طبيعـة هـذه الدَّعوة، ولهـذا أصرُّوا عليها، بل لقد صرَّحوا بأن لو تحقَّق شيءٌ من ذلك، فلن يؤمنوا أيضاً بهذه الدَّعوة، وهذا كلُّه محاولةٌ منهم لإظهار عجز الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، واتِّخاذ ذلك ذريعةً لمنع النَّاس عن اتِّباعه.


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022