من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
إكرام سليمان لأهل الوفاء ووفاة ابنه أيوب:
الحلقة: 146
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الآخرة 1442 ه/ فبراير 2021
1 ـ إكرام سليمان لأهل الوفـاء:
دعا سليمان بن عبد الملك يزيد بن أبي مسلم وهو موثوق في الحديد، وكان صاحب أمر الحجّاج، فلما دخل عليه ازدراه حين راه ونبت عنه عيناه، وقال: ما رأيت كاليوم، وكان يزيد لا يملأ العين منظره، ثم قال له سليمان: لعن الله رجلاً أقادك رسَنه وحكمك في أمره، فقال له يزيد: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، إنك ازدريتني والأمر عني مدبر، وعليك مقبل، ولو رأيتني والأمر عليّ مقبل، لاستعظمت من أمري ما استحقرت، واستكبرت منه ما استصغرت، فقال له سليمان: صدقت، ثكلتك أمك، اجلس فجلس في قيوده، فقال له سليمان: عزمت عليك يا بن أبي مسلم، لتخبرني عن الحجّاج، أتراه يهوي في جهنم، أم قد قرّبها، قال: يا أمير المؤمنين لا تقل هذا في الحجّاج، وقد بذل لكم النصيحة، وأخفر دونكم الذمة، والى وليكم، وأخاف عدوكم، وإنه يوم القيامة لعن يمين عبد الملك ويسار الوليد، فاجعله حيث شئت، وصاح سليمان استكراهاً لكلامه وأمر بإخراجه، ثم التفت إلى جلسائه وقال: ثكلته أمه، ما أحسن بديهته، وأحدَّ قريحته، وأجمل تزيينه لنفسه ولأصحابه، لقد أحسن المكافات على الصنيعة، وراعى اليد الجميلة، خلّوا سبيله، وأمر بحل قيوده ولم يتعرض لمضرته .
2 ـ وفـاة أيوب بن سليمـان:
لما حضر أيوب بن سليمان بن عبد الملك الوفاة ـ وكان ولي عهد أبيه ـ دخل عليه أبوه وهو يجود بنفسه، ومعه عمر بن عبد العزيز وسعيد بن عقبة ورجاء بن حيوة، فجعل سليمان ينظر في وجه أيوب، فخنقته العبرة، ثم قال: إنه ما يملك العبد نفسه أن يسبق إلى قلبه الوجد عند المصيبة، والناس في ذلك أصناف: فمنهم المحتسب، ومنهم من يغلب صبره جزعه، فذلك الجلد الحازم، ومنهم من يغلب جزعه صبره، فذلك المغلوب والضعيف، وإني أجد في قلبي لوعة إن أنا لم أبردها خغت أن تتصدع قلبي كمداً، فقال له عمر: يا أمير المؤمنين، الصبر أولى بك فلا يحبطن أجرك، قال سعيد بن عقبة: فنظر إلي وإلى رجاء بن حيوة نظر المستغيث يرجو أن نساعده على ما أدركه من البكاء، فأما أنا فكرهت أن امره أو أنهاه، وأما رجاء فقال: يا أمير المؤمنين، إني لا أرى بذلك بأساً ما لم يأتِ الأمر المفرط، وإني قد بلغني أن النبي ﷺ لما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه،
فقال: «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون». فبكى سليمان حتى اشتد بكاؤه فظننا أن نياط قلبه قد انقطع، فقال عمر بن عبد العزيز لرجاء بن حيوة: بئس ما صنعت بأمير المؤمنين، فقال: دعه يا أبا حفص يقضي من بكائه وطراً، فإنه لو لم يخرج من صدره ما ترى خفت أن يأتي عليه، ثم أمسك عن البكاء، ودعا بماء فغسل وجهه، وقضى الفتى، فأمر بجهازه، وخرج يمشي أمام جنازته، فلما دفن وقف ينظر إلى قبره، ثم قال:
وقفتُ على قبرٍ مقيمٍ بقفرةٍ
متاعٌ قليلٌ من حبيبٍ مفارقِ
ثم قال: السلام عليك يا أيوب، وقال:
كنتَ لنا أُنساً ففارقْتَنَا ٍ
فالعيشُ من بَعدكَ مرُّ المذاقِ
ثم قال: يا غلام أدن دابتي مني، فركب وعطف دابته إلى القبر، وقال:
فإن صبرتُ فلمْ ألفظكَ من شبعٍ ٍ
وإن جزعتُ فعلِقٌ منفسٌ ذهبا
فقال عمر: بل الصبر أقرب إلى الله عز وجل، قال: صدقت، وانصرف .
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
الجزء الثاني:
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: