من كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار (ج1)
(المعركة الفاصلة واستشهاد الحسين رضي الله عنه ومن معه)
الحلقة: الثامنة والسبعون
بقلم: د. علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1442 ه/ نوفمبر 2020
في صباح يوم الجمعة عام 61 هـ نظم الحسين رضي الله عنه أصحابه وعزم على القتال، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً، فجعل زهير بن القين في ميمنته، وحبيب بن مظاهر في الميسرة، وأعطى رايته العباس بن علي، وجعل البيوت وراء ظهورهم، وأمر الحسين بحطب وقصب فجعله من وراء البيوت، وأشعل فيه النار مخافة أن يأتوهم من خلفهم .
وأما عمر بن سعد فقد نظم جيشه، وجعل على الميمنة عمرو بن الحجاج الزبيدي ـ بدلاً من الحر بن يزيد الذي انضم إلى الحسين. وجعل على الميسرة شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي، وعلى الرجالة شبت بن ربعي الرياحي، وأعطى الراية ذويداً مولاه .
وبدأت المعركة سريعة وكانت مبارزة في بداية الأمر، وجوبه جيش عمر بن سعد بمقاومة شديدة من قبل أصحاب الحسين، حيث إن مقاتلتهم اتسمت بالفدائية، فلم يعد لهم أمل في الحياة ، وكان الحسين رضي الله عنه في البداية لم يشترك في القتال، وكان أصحابه يدافعون عنه، ولما قتل أصحابه لم يجرؤ أحد على قتله، وكان جيش عمر بن سعد يتدافعون ويخشى كل فرد أن يبوء بقتله وتمنوا أن يستسلم، ولكن الحسين رضي الله عنه لم يُبْدِ شيئاً من الليونة، بل كان رضي الله عنه يقاتلهم بشجاعة نادرة، عندئذ خشي شمر بن ذي الجوشن من انفلات زمام الأمور فصاح بالجند وأمرهم بقتله، فحملوا عليه، وضربه زرعة بن شريك التميمي، ثم طعنه سنان بن أنس النخعي واحتز رأسه ، ويقال: إن الذي قتله عمرو بن بطار التغلبي، وزيد بن رقادة الحيني ، ويقال: إن المتولي الإجهاز عليه شمر بن ذي الجوشن الضبي، وحمل رأسه إلى ابن زياد خولي بن يزيد الأصبحي ، وكان قتله رضي الله عنه في محرم في العاشر منه سنة إحدى وستين . وقتل مع الحسين رضي الله عنه اثنان وسبعون رجلاً، وقتل من أصحاب عمر ثمانٍ وثمانون رجلاً .
وبعد انتهاء المعركة أمر عمر بن سعد بأن لا يدخل أحد على نساء الحسين وصبيانه، وأن لا يتعرض لهم أحد بسوء ، وأرسل عمر بن سعد برأس الحسين ونسائه ومن كان معه من الصبيان إلى ابن زياد .
وكان الذين قتلوا مع الحسين رضي الله عنه من ال أبي طالب: فمن أولاد علي بن أبي طالب: الحسين نفسه، وجعفر والعباس وأبو بكر ومحمد وعثمان، ومن أولاد الحسين: علي الأكبر غير عليّ زين العابدين؛ لأنه كان عنده علي الأصغر وعلي الأكبر وعبد الله. ومن أبناء أبناء الحسن: قتل عبد الله والقاسم وأبو بكر. ومن أولاد عقيل: قتل جعفر وعبد الله وعبد الرحمن، ومسلم بن عقيل قتل بالكوفة، وعبد الله بن مسلم. ومن أولاد عبد الله بن جعفر: قتل عون ومحمد ، ثمانية عشر رجلاً كلهم من بيت رسول الله ﷺ قد قتلوا في هذه المعركة غير المتكافئة.
والعجيب في هذه المعركة أن ممن قتل بين يدي الحسين بن علي رضي الله عنهما أبو بكر بن علي وعثمان بن علي وأبو بكر بن الحسن، ولا تجد لهم ذكراً عندما تسمع أشرطة الشيعة وتقرأ كتبهم التي أُلفت في مقتل الحسين، حتى لا يقال: إن علي بن أبي طالب سمَّى أولاده بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان، أو أن الحسن سمَّى على اسم أبي بكر، وهذا أمر عجيب جداً منهم !
وعن أنس قال: ولما أُتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين جعل ينكث بالقضيب ثناياه يقول: لقد كان ـ أحسبه ـ جميلاً. فقلت: والله لأَسوءنَّك، إني رأيت رسول الله ﷺ يلثم حيث يقع قضيبك. قال: فانقبض .
وفي رواية البخاري عن أنس قال: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين، فجعله في طست، فجعل ينكث عليه وقال في حسنه شيئاً، فقال أنس: إنه كان أشبههم برسول الله ﷺ، وكان مخضوباً بالوسمة .
ولما وصل نساء الحسين وصبيانه صنع بهم ابن زياد أن أمر لهم بمنزل في مكان معتزل، فأجرى عليهم الرزق، وأمر لهن بالكسوة والنفقة . وتذكر بعض الروايات التي لها ميول شيعية أن ابن زياد أمر بقتل كل من أنبت، ولعل مما يظهر كذب هذه الروايات حينما تذكر أن علي بن الحسين كشفوا عنه فوجدوه قد أنبت، فأمر ابن زياد بقتله، ولكن شفاعة أخته زينب وتعلقها به حالت دون قتله .
وليس صحيحاً كذلك أن ابن زياد قد أساء معاملة نساء الحسين بعد قتله، أو في ترحيله لهن إلى الشام، فالروايات التاريخية تخبرنا أن أحسن شيء صنعه ابن زياد أنه أمر لهن بمنزل في مكان معتزل، وأجرى عليهن رزقاً، وأمر لهن بنفقة وكسوة ، ويقول ابن تيمية في رده على بعض كذابي الشيعة: وأما ما ذكره من سبي نسائه والدوران بهن على البلدان وحملهن على الجمال بغير أقتاب، فهذا كذب، وباطل، وما سبى المسلمون ـ ولله الحمد ـ هاشمية قط، ولا استحلت أمة محمد ﷺ هاشمية قط، ولكن أهل الهوى والجهل يكذبون كثيراً .
بل المرجح أن ابن زياد بعد أن ذهبت عنه نشوة النصر، أحس فداحة خطئه، وكان ذلك الشعور هو المسيطر على بعض أفراد أسرته القريبين منه، فقد كانت أمه تقول له: ويلك ماذا صنعت ؟! أو ماذا ركبت ؟! وكان أخوه عثمان بن زياد يقول: لوددت والله أنه ليس من بني زياد رجل إلا وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة، وأن حسيناً لم يقتل. فلا ينكر عليه عبيد الله قوله .
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
الجزء الثاني:
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: