من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج1)
(أسباب فشل ثورة ابن الأشعث)
الحلقة: 112
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الأولى 1442 ه/ ديسمبر 2020
أ ـ عدم تمكن العلماء من السيطرة على مسار تلك الحركة:
وذلك حين تطور الأمر وخلع الثائرون الخليفة عبد الملك بن مروان، فلم يتمكن العلماء من إقناع الناس بالحفاظ على الهدف الذي قامت الثورة لأجله وهو خلع الحجّاج، بل ربما جر بعض العلماء إلى القناعة بهذا المسار الجديد، وتأكد فشل العلماء في عدم محافظتهم على الهدف الرئيس للحركة، وذلك حينما عرض عبد الملك على الثائرين عزل الحجّاج، ولكن الزهو والعجب بما تحقق من انتصارات أدى إلى رفض ذلك العرض من الخليفة، ولم يتمكن العلماء من إقناع الثائرين بقبوله.
ب ـ تحكُّم أصحاب الدوافع الإقليمية والمذهبية في مسارها:
استطاع أصحاب الدوافع الإقليمية والميول المذهبية أن يسيروا بالحركة نحو التخلص من بني أمية.
جـ. عدم امتلاك الثورة لرؤية كاملة:
فقد أصبح العلماء يسيرون في طريق غير واضح المعالم، سوى تحقيق الانتصار على جيوش الأمويين، ولكن ماذا بعد؟ هل بالإمكان تغيير الخليفة بالانتصار على جيوش الأمويين في العراق ؟ وهل تستسلم الشام بهذه السهولة، أو تقر الأقطار الإسلامية ذلك؟ وهل يكون ابن الأشعث هو الخليفة للمسلمين في حال القضاء على عبد الملك ؟ لقد دخلت الثورة في طريق شائك معقد بمجرد رفضها عرض الخليفة بعزل الحجّاج، واضطربت أهدافها مما أدى إلى وأدها وفشلها وانتصار جيوش الخليفة عليها .
د ـ ذكاء الخليفة عبد الملك ودعمه المستمر بالجيوش للحجّاج:
فقد مال للصفح والمسالمة والمسامحة، ولبى طلب أهل العراق في عزل الحجّاج من أجل حقن الدماء وتوفير الجهود والحفاظ على الجبهة الداخلية الواحدة المتراصة، وكان عرضه على ابن الأشعث في عزل الحجّاج كسباً سياسياً له؛ حيث تبلبل صف ثورة ابن الأشعث، واختلفت الاراء وكان عبد الملك في نفس الوقت قد أعد جيشين من أهل الشام، وسلم القيادة لأقرب الناس إليه؛ إلى أخيه وولده، وأمرهما بالتقيد بأوامر والي العراق .
إن عدد العساكر المقاتلة والقادة وتزويدهم بكل ما يحتاجون ثم تكليفهم بالمفاوضة مع ابن الأشعث، منحت الثقة لابنه وأخيه، وهزت قرارة نفوس العراقيين، وهذا من رباطة جأش الخليفة، فكأنما قد قدّم جرعة كبيرة من الحرب النفسية، الأمر الذي أدخل الرهبة في نفس المفاوض الأول حتى مالت نفس ابن الأشعث للرضوخ لولا أصحابه، كما أكسبت الثقة للجنود الشاميين فكانوا يقاتلون ببسالة، ومن هنا يظهر دور الخليفة في كبح الحجّاج حيناً، وفي إعداد الجيش حيناً اخر، فلولاه لما كان بالإمكان القضاء على هذه الانتفاضة وبهذا القدر من الجهد، ويعود ذلك إلى السياسة المتجددة، القائمة على أصول من الفهم الكامل لخطط الخليفة البعيدة المدى، فقد كان رجل دولة من الطراز الأول يملك خطة مستقبلية لدولة قادرة على وضع أهدافها التكتيكية والاستراتيجية من أجل بناء دولة القوة والمنعة على أسس راسخة من الملك العضوض.
هـ . القيادة لم تكن بيد العلماء وإنما بيد الأشعث.
و ـ عدم وجود تنظيم قوي يتحكم في توجيه الثوار وفق الأهداف المرسومة من القادة.
ز ـ شخصية ابن الأشعث وطبيعة جيشه:
لم تكن شخصية ابن الأشعث تملك الصفات القيادية من بُعد نظر، وثاقب فكر، وتقدير للأمور، وثبات في المواقف، فقد وقع في شباك رتبيل وباعه للحجّاج مقابل مصالحه، وتحالف مع الكفّار ضد المسلمين، ولم يستطع أن يقود جيشه كما يريد، بل انقاد لعواطف ومشاعر الجنود فأودت به إلى حتفه، كما أن جيشه لم يكن ينقصه عدد أو عدة، ولكن حماسهم خفّ بسبب طول انتظارهم، ولم تكن لهم طاعة قوية لرؤسائهم، بعكس أهل الشام الذين كانوا جنداً نظاميين بكل ما لهذه الكلمة من معانٍ ، وهذه أبيات
من الشعر تصوّر حزنهم واعترافهم بأنهم لم يصبروا ويدافعوا حق المدافعة عن دنياهم التي أضاعوها بتفريطهم:
أيا لهفاً ويا حزناً جميعاً
ويا حرَّ الفؤادِ لِمَا لقِينَا
تركنا الدِّينَ والدُّنيا جميعاً
وأسلمْنا الحلائلَ والبنينا
فما كُنَّا أناساً أهلَ دينٍ
فنصبر في البلاءِ إذا ابتلينا
ليتَ خيلي يومَ الخُجَنْدةِ لم يُهزم
فنمنعها ولو لم نرجُ دينا
تركْنا دورَنا لطغامِ عَكٍّ
وأنباطِ القرى والأشعَرينا
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
الجزء الثاني:
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي: