الثلاثاء

1446-11-01

|

2025-4-29

من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج1):
(من نتائج فشل ثورة بن الأشعث)
الحلقة: 113
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
جمادى الأولى 1442 ه/ ديسمبر 2020
أ ـ ازدياد تسلط الحجّاج:
ترتب على فشل ثورة ابن الأشعث نتائج خطيرة وسيئة، فقد زاد انتصار الحجّاج في النهاية على الثوار من تسلطه وتجبره، واشتد أكثر في تضييقه على العلماء، فقتل من قتل منهم، وسجن من سجن منهم، وهرب من وجهه من استطاع .
ب ـ ندم الكثير من العلماء:
وندم الكثير من العلماء المشاركين في ثورة ابن الأشعث، فهذا طلحة بن مصرف يقول: شهدت الجماجم، فما رميت، ولا طعنت، ولا ضربت، ولوددت أن هذه سقطت هنا ولم أكن شهدتها ، وعن محمد بن طلحة قال: راني زبيد اليامي مع العلاء بن عبد الكريم ونحن نضحك، فقال: لو شهدت الجماجم ما ضحكت، ولوددت أن يدي ـ أو قال: يميني ـ قطعت من العضد وأني لم أكن شهدت ، كما ندم عقبة بن عبد الغافر على مشاركته في القتال كذلك، وغيرهم من العلماء.
جـ انتصار رأي العلماء القائلين بعدم الخروج:
علت منزلة العلماء الذين اعتزلوا تلك الفتنة ولم يشاركوا فيها، فعن ابن عون قال: كان مسلم بن يسار أرفع عند أهل البصرة من الحسن، حتى خف مع ابن الأشعث وكف الحسن، فلم يزل أبو سعيد ـ يعني الحسن ـ في علو منها .
وقد أسهمت حركة ابن الأشعث ـ بنهايتها بتلك الصورة ـ في إقناع كثير ممن كان يرى استخدام القوة وحمل السيف لتغيير الجور والظلم الواقع من الولاة بعدم جدواها، ولذلك قال ابن تيمية عقب الحديث عن ما حدث من فتن وقعت باجتهاد من بعض أهل العلم والصلاح، كخروج الحسين بن علي رضي الله عنهما، وفتنة خروج أهل المدينة ووقعة الحرّة، وفتنة ابن الأشعث، قال: ولهذا استقر مذهب أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي ﷺ، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم . وقال ابن حجر في ترجمة أحد هؤلاء الذين كانوا يرون السّيف: كان يرى الخروج بالسّيف على أئمة الجور، وهذا مذهب للسَّلف قديم، لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوه أفضى إلى أشدّ منه، ففي وقعة الحرّة ووقعة ابن الأشعث ـ يعني: دير الجماجم ـ وغيرها عظة لمن تدبر .
د ـ ظهـور بدعـة الإرجـاء:
أو نوع منه؛ وهو ما يسمى(إرجاء الفقهاء) نسبة إلى بعض الفقهاء الذين يقولون بأن الإيمان قول بلا عمل، وأنه لا يزيد ولا ينقص، فالإيمان عندهم واحد يستوي فيه كل من اعتقده بقلبه وقال بلسانه، حيث يخرجون الأعمال ـ التي يتفاضل فيها المؤمنون ـ عن الإيمان، فيستوي عندهم إيمان الصادقين الأولين كأبي بكر وعمر، وإيمان أفجر الناس كالحجّاج، وأبي مسلم الخراساني وغيرهما .
والذي دعا إلى الربط بين ظهور ذلك النوع من الإرجاء وحركة ابن الأشعث ما يشير إليه كثير من الذين كتبوا عن تاريخ الفرق؛ حيث اشتهر عندهم قول قتادة: إنما أحدث الإرجاء بعد هزيمة ابن الأشعث ، وذكروا أن الكوفة كانت موطن الإرجاء الأول ثم انتشر منها إلى سائر الأقطار ، ويقول الدكتور ناصر العقل: أول ما ظهرت بدعة الإرجاء بعد فتنة ابن الأشعث سنة (83 هـ) ، وهو إرجاء العمل عن الإيمان، ويسمى (إرجاء الفقهاء)، وأول من قال به هو: ذر بن عبد الله المرهبي الهمداني، (مات قبل المئة) ، ثم ظهور القول بأن الإيمان قول، وأول من قال ذلك حماد بن أبي سليمان (ت 120 هـ).
واستقر إرجاء الفقهاء على ثلاثة أسس كلها مخالفة لقول السلف؛ وهي:
ـ زعمهم أن العمل لا يدخل في مسمى الإيمان، وأن الإيمان هو التصديق.
ـ زعمهم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص.
ـ زعمهم أنه لا يجوز الاستثناء في الإيمان .
ويقال: إن ذر بن عبد الله المرهبي ـ وكان ممن شارك في فتنة ابن الأشعث ـ بعد الهزيمة أصيب بردة فعل جعلته يتحول من تكفير الحجّاج وقتاله إلى اتجاه معاكس، وهو الإرجاء الذي يسوي فيه أصحابه بين إيمان الحجّاج وإيمان غيره، ولو كان من أعبد الناس وأتقاهم لله . ويقول طاوس بن كيسان ـ منتقداً ذراً المرهبي ومن سلك مسلكه من الفقهاء ـ: عجبت لإخواننا من أهل العراق يسمون الحجّاج مؤمناً. قال الذهبي معلقاً على قول طاوس: قلت: يشير إلى المرجئة منهم، الذين يقولون: هو مؤمن كامل الإيمان مع عسفه وسفكه الدماء وسبه الصحابة .
وهكذا دأب الفتن فإنها غالباً ما تفرز بعدها بعض التوجهات المنحرفة أو المواقف المتضاربة تجاه أمر معين، حيث لا يسلم من ذلك إلا من عصمه الله بنور الإيمان ورسوخ العلم، جعلنا الله منهم .
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
الجزء الثاني:
كما يمكنكم الإطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022