الأحد

1446-10-29

|

2025-4-27

الأمويون في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

الحلقة: السابعة

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

محرم 1442 ه/ سبتمبر 2020


واجه المسلمون بعد موت نبيهم صلى الله عليه وسلم ظروفاً عصيبة، وأجمع المسلمون على بيعة أبي بكر خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام بجهود عظيمة في مواجهة الأخطار، فحارب المرتدين حتى ردهم إلى الإسلام والجماعة، وبدأ حركة الفتوح في بلاد الفرس والروم، وكان أول كتاب كتبه أبو بكر بشأن حروب الردة إلى عامله الأموي على مكة عتاب بن أسيد؛ حيث كتب إليه بركوب من ارتد من أهل عمله بمن ثبت على الإسلام، فواجههم عتاب في تهامة حتى ظفر بهم، ثم جهز من أهل مكة وأعمالها خمسمئة رجل، وأمَّر عليهم أخاه خالد بن أسيد، فاشتركوا في قتال المرتدين باليمن، وإعادة أهل حضرموت وكندة إلى حظيرة الإسلام.
وفي حروب المسلمين ضد مسيلمة الكذاب كان قائد الجيش خالد بن الوليد الذي جعل على قيادة المهاجرين في جيشه أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ومعه زيد بن الخطاب، فقاتل أبو حذيفة قتالاً مجيداً، ولما انكشف المسلمون في أول القتال كان أبو حذيفة يهتف فيهم: يا أهل القرآن، زيِّنوا القرآن بالفعال، وقاتل حتى قتل.
والسمة الثانية: هي تركز نشاط الأمويين في الفتوح على جبهة الشام يشاركهم في ذلك كثير من الفاتحين من أهل مكة عموماً، ويبدو أن ذلك كان أمراً مقصوداً من الخليفة الصديق الذي أدرك وجود صلات عميقة الجذور بين بني أمية والمكيين والقبائل العربية المقيمة ببلاد الشام تحت الحكم البيزنطي، تلك الصلات التي تعمقت من خلال النشاط التجاري المتواصل بين مكة والشام في الجاهليـة، الذي كان بنو أمية أبرز قواده ورواده.
وأما عن مشاركة الأمويين في حروب الفتح، فقد جاءت مبكرة، حيث شارك الوليد بن عقبة بن أبي معيط مع خالد بن الوليد في فتوح العراق الأولى، وشهد معه قتل هرمز، وأرسله خالد إلى أبي بكر بالغنائم وبشارة الفتح وأخباره عن جمع جديد من الفرس، ثم وجهه الخليفة مدداً إلى عياض بن غنم الذي كان قد أمره بفتح العراق من جهة الشمال، وكان يحاصر دومة الجندل فيجد العنت والمشقة في فتحها، فأشار عليه الوليد باستمداد خالد بن الوليد، فاستمده، فأنجده، وفتحوا معاً دومة الجندل، ثم ولاه أبو بكر على النصف من صدقات قضاعة مما يلي دومة الجندل، ولكن الخليفة ما لبث أن كتب إليه يعرض عليه الجهاد في سبيل الله، ويخيِّره بينه وبين أن يظل على عمله الذي ولاه إياه، فأجابه بإيثار الجهاد، فوجه به إلى الشام.
وكان أول لواء عقده أبو بكر في حروب الشام لخالد بن سعيد بن العاص الأموي، ثم عزله وولى بدله يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي أيضاً، وأما جيش يزيد بن أبي سفيان، فكان أول جيش كبير يوجهه أبو بكر إلى الشام ويودعه ماشياً، ثم أتبعه بثلاثة جيوش أخرى يقودها عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة وأبو عبيدة بن الجراح، يقول الذهبي عن يزيد بن أبي سفيان: وهو أحد الأمراء الأربعة الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم ، عقد له أبو بكر، ومشى تحت ركابه يسايره ويودعه ويوصيه، وما ذلك إلا لشرفه، وكمال دينه.
ثم أتبع الصديق بأناس آخرين يرغبون في الجهاد وألحقهم بجيش يزيد، وجعل عليهم أميراً معاوية بن أبي سفيان.. وخرج أبو سفيان بن حرب ـ وهو يومئذ شيخ كبير، كما اشترك في الجهاد في الشام أيضاً خالد بن سعيد، وأبان بن سعيد، وعمرو بن سعيد، وقاتلوا جميعاً هناك وقتلوا، حتى قيل: ما فتحت بالشام كورة من كورها إلا وجد عندها رجل من بني سعيد بن العاص شهيداً.
وقبل معركة اليرموك عقد قادة الجيوش مؤتمراً للحرب في الجولان.. ومر بهم أبو سفيان بن حرب فقال: ما كنت أظن أن أبقى حتى أرى أغلمة من قريش يذكرون أمر حربهم ويتذاكرون ما يكيدون به عدوهم ـ في منزلي ـ ولا يحضروني، فاشترك معهم في مشورتهم، فأفسحوا له، فأسهم معهم في رسم خطة القتال.
ولما أزفت ساعة الحرب في اليرموك عمد قادة الفريقين إلى إذكاء حماس الجنود، فبينما كان الروم يحضضهم القسيسون والرهبان، وينعون لهم النصرانية، حتى تشجعوا وخرجوا للقتال الذي لم يكن بعده قتال مثله، كان المسلمون يتبادرون إلى لقاء الخطب البليغة والأرجاز المثيرة، بل إنهم عينوا أحد كبار شيوخهم والمخضرمين من رجالهم في مهمة «القاص» وكان ذلك الرجل هو أبو سفيان بن حرب نفسه، ولا شك أن توليه ذلك العمل المهم هو أكبر دليل على صدقه وإخلاصه في دينه وإسلامه، إذ إن قادة الجيش لو علموا فيه آنذاك غير هذا الإخلاص ما جعلوه أميناً على تعبئة حماس الجند وإثارة حميتهم الإسلامية، ولو علم الجنود منه غير ذلك الصدق ما كان لعمله فيه ذلك الأثر العظيم، وقد كان اختياراً موفَّقاً فعلاً يتسق مع طبيعة تكوين ذلك الجيش الذي يضم الكثير من أهل مكة وقبائل العرب الذين تأخر إسلامهم، والذين احتفظوا بثقتهم القديمة في أبي سفيان، زعيمهم الذي خبروه، وكان أبو سفيان رضي الله عنه يقف على الكراديس، فيقول: الله الله، إنكم ذادة العرب وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك، اللهم إن هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل النصر على عبادك.


يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:

http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022