الأربعاء

1446-11-02

|

2025-4-30

تأملات في الآيتين الكريمتين:

{وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (*) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (*)}:

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 167

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

1 جمادى الآخرة 1444ه/ 25 ديسمبر 2022م

أي: قد صدقت الرؤيا وحققنها فعلاً؛ فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تكنّه عن الله، أو تعزّه عن أمره، أو تحتفظ به دونه، ولو كان هو الابن فلذة الكبد، ولو كانت هي النفس والحياة وأنت - يا إبراهيم- قد فعلت، جُدّت بكل شيء، وبأعزّ شيء، وجُدّت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين، فلم يبقَ إلا اللحم والدمّ، وهذا ينوب عنه ذبح أي ذبح من دمّ ولحم ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدّت، يفديها بذبح عظيم، قيل إنّه كبش وجده إبراهيم مهيأ بفعل ربّه وإرادته ليجذبه بدلاً من إسماعيل(1).

وفي قوله تعالى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}: نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء، ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء، ونجزيهم بأقدارهم وإجبارهم على الأداء، ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء(2).

وقد ذكر الراغب الأصفهاني في كتابه المفردات أنَّ الإحسان يقال على وجهين: أحدهما: الإنعام على الغير، يقال أحسنَ إلى فلان، والثاني: إحسان في فعله، وذلك إذا علم علماً حسناً أو عمل عملاً حسناً(3)، والإحسان أعمُّ من الإنعام، قال تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} ]الإسراء:7[، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} ]النحل:9[، فالإحسان فوق العدل، والعدل هو أن يعطى ما عليه ويأخذ ماله، والإحسان أن يعطي أكثر مما عليه ويأخذ أقل مما له، فالإحسان زائد على العدل، فتحرّي العدل واجب، وتحرّي الإحسان ندب وتطوع، ولذلك عظّم الله ثواب المحسنين فقال: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ]العنكبوت:69[، وقال تعالى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}، وفي الآية إشارة أن نجاح إبراهيم - عليه السّلام - وابنه، إسماعيل - عليه السّلام - وفي هذا الامتحان من الإحسان والإتقان في العمل وبهذه الدرجة جعلتهم من المحسنين ما استحقوا من ثواب على هذا الإحسان(4).

ومن معاني {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أيّ: هكذا نصرف عمّن أحسن طاعتنا وعبادتنا المكاره والشدائد، ونجعل لهم من أمرهم فرجاً ومخرجاً، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} ]الطلاق:2[(5).

 

مراجع الحلقة السابعة والستون بعد المائة:

(1) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2996).

(2) المرجع نفسه، سيد قطب، (5/2996).

(3) المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، (1/236) .

(4) قصة إبراهيم في القرآن الكريم، إسحاق محمد حمدان البدارين، ص129.

(5) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (7/162).

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي

http://alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022