تأملات في الآية الكريمة:
*{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}*
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 169
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
3 جمادى الآخرة 1444ه/ 27 ديسمبر 2022م
أيَّ فدى الله إسماعيل - عليه السّلام - بكبش عظيم، ومعنى عظيم أي سمين أو عظيم القدر؛ لأنَّه يُفدى به نبياً ابن نبي(1).
وروى الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إنَّ إبراهيم لما أمر بالمناسك، عرض له الشيطان عند المسعى، فسابقه، فسبقه إبراهيم، ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى، فرماه بسبع حصيات، قال: قد تلّه للجبين.. وعلى إسماعيل قميص أبيض، وقال: يا أبتِ، إنه ليس لي ثوب تكفنّي فيه غيره، فاخلعه حتى تكفنّي فيه فعالجه ليخلعه، فنودي من خلفه: { أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}، فالتفت إبراهيم فغذا هو بكبش أقرت أعين(2).
ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} قال: خرج عليه كبش من الجنة قد رعى قبل ذلك أربعين خريفاً، فأرسل إبراهيم - عليه السّلام - ابنه واتّبع الكبش، فأخرجه إلى الجمرة الأولى، فرماه بسبع حصيات ثم أفلته عندها، فجاء إلى الجمرة الوسطى، فأخرجه عندها فرماه بسبع حصيات، ثم أفلته، فأدركه عند الجمرة الكبرى، فرماه بسبع حصيات، فأخرجه عندها، ثم أخذه فأتى به المنحر من مِنى فذبحه، فو الذي نفس ابن عباس بيده، لقد كان أول الإسلام، وإن رأس الكبش لمعلّق بقرنيه في ميزاب الكعبة حتى وحش، يعني: يبس(3).
ومضت بذلك سنَّة النّحر في الأضحى، ذكرى لهذا الحدث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان، وجمال الطاعة وعظمة التسليم، والذي ترجع إليه الأمة المسلمة؛ لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم - عليه السّلام - الذي تتّبع ملّته، والذي ترث نسبه وعقيدته، ولتدرك طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها، ولتعرف أنّها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبّية، لا تسأل ربّها لماذا؟ ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عن أول إشارة وأول توجيه(4).
وفيما يتعلق بوصف الكبش أقوال كثيرة ذكرها العلماء، ومنها قول الجمهور: هو كبش أبيض أقرن أعين أملح عظيم القدر، قال مجاهد: لأنه متقبّل يقيناً وقيل: لأنّه كان من عند الله، وقيل لأنّه لم يكن عن نسل، بل عن التكوين(5).
وفي تفسير ابن كثير: قال سفيان الثوري، عن جابر الجعفي، عن أبي الطفيل، عن علي رضي الله عنه: قال: بكبش أبيض أعين أقرن، قد ربط بسمرة، قال أبو الطفيل وجدوه مربوطاً بسمرة في ثبير (6).
وذكرت روايات عديدة في هذا الموضوع تحتاج إلى البحث العلمي وفق قواعد المحدثين في علم الجرح والتعديل، وقد استشهد الإمام أبو حنيفة - رحمه الله - بهذه الآية {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}.. فيمن نذر ذبح ولده: أنه يلزمه ذبح شاة(7).
وقال السعدي في قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} أي صار بدله ذبح من الغنم عظيم ذبحه إبراهيم، فكان عظيماً من جهة أنه كان فداء لإسماعيل، ومن جهة أنه من جملة العبادات الجليلة، ومن جهة أنه كان قرباناً وسنة إلى يوم القيامة(8).
مراجع الحلقة التاسعة والستون بعد المائة:
(1) قصة إبراهيم في القرآن الكريم، إسحاق محمد حمدان البدارين، ص129.
(2) مسند أحمد، رقم (2794)، ويُنظر: قصة إبراهيم في القرآن الكريم، إسحاق محمد حمدان البدارين، ص129.
(3) تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، نقلاً عن إبراهيم عليه السلام ودعوته في القرآن الكريم، أحمد البراء الأميري، ص129.
(4) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2996).
(5) من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، محمد فؤاد سندي، ص212.
(6) ثبير: جبل بين مكة ومِنى، ويُرى من مِنى وهو على يمين الداخل منها من مكة المكرمة، ويُنظر: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)، (4/18).
(7) من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، محمد فؤاد سندي، ص212.
(8) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص1477.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي