الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

الدولة الأموية: عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

(واجبات الخليفة وحقوقه)

الحلقة: الخامسة و العشرون

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

صفر 1442 ه/ سبتمبر 2020

للخليفة كما للأمة حقوق، كما أن على كل منهما واجبات مطالب بها محاسب عليها، وإليك شيئاً من الإيضاح:
أولاً: واجبات الخليفة:
بيَّن الفقهاء الواجبات الملقاة على عاتق رئيس الدولة ، وحدودها التحديد الذي يوضح مدى ما هو موكول إليه من المهام ، ومهما اختلفت أساليب العلماء في التعبير عن هذه الواجبات وتعدادها ، فإنه يمكن القول بأن هذه الواجبات في حقيقتها لا تتعدى المحافظة التامة على المصالح الدينية والدنيوية ، وإليك هذه الواجبات:
1 ـ العمل بشتى الوسائل على أن يكون الدين مصوناً عن كل ما يسيء إليه ، سواء في هذا ما يتعلق بالعقيدة الإسلامية ، أو ما يتعلق بغيرها ، وهذا الواجب ما عبَّر عنه الماوردي قائلاً: حفظ الدين على أصوله المستقرة ، وما أجمع عليه سلف الأمة؛ فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه أوضح له الحجة ، وبيَّن له الصواب ، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ، ليكن الدين محروساً من خلل ، والأمة ممنوعة من زلل.
2 ـ نصب القضاة ليحكموا بين الناس بشريعة الله، حتى لا يكون هناك معتدٍ لا يخاف جزاء، ولا مظلوم لا يستطيع وصولاً إلى حق كفله الشارع له، وسوف نتعرف على مؤسسة القضاء في عهد الدولة الأموية في هذا الكتاب.
3 ـ توفير الأمن لكل احاد الأمة، حتى يستطيع كل فرد أن ينصرف إلى سبيل عيشه آمناً على نفسه وأهله وماله.
4 ـ إقامة الحدود التي بيَّنها الله سبحانه على مقترفي كل جريمة تستأهل حدّاً ، لا يفرق في ذلك بين شريف وحقير حتى تصان محارم الله من الانتهاك ، وتحفظ حقوق عباده عن إتلاف واستهلاك كما هو تعبير الماوردي.
5 ـ إحاطة ثغور البلاد بسياج منيع من القوة ، حتى لا يجد أعداء الإسلام ثغرة يتسللون منها إلى ضرب الأمة على حين غفلة ، فيجب على رئيس الدولة أن يعمل على استكمال كل الوسائل التي تكفل للأمة الحماية التامة من شرور الأعداء.
6 ـ جهاد أعداء الإسلام الذين عاندوا دعوتهم إليه ، حتى يدخلوا في الإسلام ، أو يدخلوا في الذمة.
7 ـ جباية الأموال المستحقة ، سواء أكانت هذه الأموال صدقات أم فيئاً ، وإخضاع ذلك إلى القواعد التي أوجبها الشارع نصاً واجتهاداً من غير زيادة أو نقصان في الجباية ، إذ إن الزيادة تفضي إلى خسران من تجب عليهم الزكوات ، والنقصان مفضٍ إلى تضييق مجال الصرف على الفقراء والمساكين والعاملين ونحوهم.
8 ـ تقدير الحقوق والرواتب المستحقة في بيت مال المسلمين ، كالإعانات الاجتماعية للأسر المحتاجة ، ورواتب الجند والموظفين ، والعمل على إرساء قواعد تكون ضابطة لكل ما يتصل بهذا الواجب.
9 ـ اختيار الأكفاء الذين يثق في مقدرتهم ودينهم وصلاحهم للمناصب القيادية التي توكل إليهم ، حتى يسير دولاب الأعمال بيد الأمناء الذين يخافون الله ولا يثبتون على حقوق الناس.
10 ـ الإشراف بنفسه على ما هو متصل بما يجب عليه نحو الأمة ، ولا يترك الأمور تسير بدون إشراف مباشر منه ، إذ إن كل تقصير من أي من عماله الذين وكل إليهم بعض الأمور ، منسوب إليه متحمل خطأه ، محاسب عليه أمام الله إن قصر في المتابعة ، فإن الإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
11 ـ الشورى ، لأنها من سمات الحكم الإسلامي.
وسوف نرى بإذن الله تعالى كيف تعامل معاوية رضي الله عنه والخلفاء الأمويون من بعده مع هذه الواجبات ، ولا نريد أن نستعجل الأحداث ، وسنقف مع كل واجب من هذه الواجبات في موقفه ، ونرى قرب الخلفاء الأمويين وبعدهم من تطبيق هذه الواجبات.
ثانياً: حقوق الخليفة:
إن الخليفة له حقوقٌ على الأمة من شأنها أن تعينه على القيام بما هو موكول إليه من المهام ، وقد بين علماء الإسلام هذه الحقوق؛ وأهمها:
1 ـ طاعته والانقياد له في كل ما أمر به ونهى عنه ما دامت هذه الأوامر والنواهي في المعروف ، ولم تتعارض مع الأحكام التي بينتها شريعة الإسلام ، فما دام الخليفة أو رئيس الدولة قد التزم في أوامره ونواهيه جانب الشرع؛ فلم يحد في ذلك عن الحدود التي رسمتها له الشريعة ، فله حق ولاء المواطنين جميعاً ، سواء في ذلك أهل الحل والعقد الذين بايعوه رئيساً للأمة، وسائر المواطنين الذين يلزمهم الانقياد له بمجرد تمام هذه البيعة.
2 ـ القيام بنصرته إذا احتاج الأمر إلى ذلك ، فما دام يسير في حكمه على طريق الحق فقد وجب على سائر الأمة نصرته على البغاة وكل من رفع عليه السلاح، لأن نصرة الإمام الحق في الواقع ما هي إلا نصرة للمسلمين، وتأييداً له في العمل على أن يكون الدين قائماً، وكفّاً للمعتدين عن كل ما يمكن أن يصدر عنهم من جرائم.
3 ـ جعل راتب له مع مخصصات له ، تكفيه ومن يعوله ، فإن رئيس الدولة سيشغل نفسه بواجبات الرياسة التي ستستحوذ على وقتـه، مما لا يترك له فرصة السعي في اكتساب رزقه ، فيجب أن يجعل له راتب يغنيه ويليق بهذا المنصب؛ بحيث لا يكون فيه تقتير ولا إسراف لأن رواتب الولاة والقضاة من أموال المسلمين التي يحتاط في وجوه صرفها.
4 ـ إخباره بأحوال من ولاهم المناصب العامة؛ كالولاة والقضاة إذا انحرفوا عن الطريق الذين كلفوا بسلوكه ، وذلك لأن الإمام مكلف شرعاً بمتابعة أعمال هؤلاء لإصلاح ما اعوجَّ من أفعالهم، وتنبيههم إلى ما غفلوا عنه من وجوه المصلحة، وهو محاسب أمام الله على ما ارتكبه هؤلاء من أخطاء في حق الله والأمة إذا هو قصَّر في منع ذلك، ولا طاقة له على متابعة أعمالهم ومراقبة سيرهم إلا إذا عاونته الأمة في ذلك.
5 ـ تقديم كافة المساعدات إليه إن احتاج إلى ذلك في أداء ما تحمله من أعباء مصالح الأمة لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ} وولاة الأمور أحق من أعين على ذلك.
والأمة في عمومها لم تبخل على أمير المؤمنين معاوية بحقوقه وعلى الخلفاء الذين جاؤوا من بعده ، ولم يخلُ الأمر من ثورات ضد الخلفاء سنبينها في موضعها بإذن الله تعالى.

يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022