ما حكم قراءة القرآن المخزن في الجوال للحائض؟
أجاب عن السؤال: الشيخ/ عبد المجيد بن صالح المنصور (المعهد العالي للقضاء)
الجواب:
اختلف العلماء في حكم قراءة الحائض للقرآن فذهب بعض السلف كسعيد بن المسيب، ومروي عن مالك، وإحدى الروايتن عن الإمام أحمد، وأحد قولي الشافعي إلى أنه يجوز للحائض قراءة القرآن تعلماً وتعليما وتعبداً وتحصنا، وذهب جمهور العلماء إلى التحريم كالجنب مستدلين بما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث ابن عمر مرفوعا : "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن" لكن هذا الحديث ضعيف من جميع طرقه كما يقول ابن حجر رحمه الله، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث رواه إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر وأحاديثه عن أهل الحجاز يغلط فيها كثيرا وليس لهذا أصل عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا حدث به عن ابن عمر ولا عن نافع ولا عن موسى بن عقبة أصحابهم المعروفون بنقل السنن عنهم)، وقال ابن القيم: (وحديث لا تقرأ الحائض والجنب شيئا من القرآن لم يصح، فإنه حديث معلول باتفاق أهل العلم بالحديث، فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر، قال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: إن إسماعيل بن عياش يروي عن أهل الحجاز وأهل العراق أحاديث مناكير كأنه يضعف روايته عنهم فيما ينفرد به، وقال: إنما هو حديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام) انتهى، وقال البخاري: أيضا إذا حدث عن أهل بلده فصحيح، وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر، وقال على بن المديني: ما كان أحد أعلم بحديث أهل الشام من إسماعيل بن عياش لو ثبت في حديث أهل الشام، ولكنه خلط في حديث أهل العراق، وحدثنا عنه عبد الرحمن ثم ضرب على حديثه، فإسماعيل عندي ضعيف، وقال عبد الله بن أحمد: عرضت على أبي حديثا حدثناه الفضل بن زياد الضبى حدثنا ابن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن فقال أبي هذا باطل يعنى أن إسماعيل وهم)انتهى كلام ابن القيم.
والصواب مع من قال بجواز قراءة الحائض للقرآن من دون مس المصحف؛ لأنه ليس في الكتاب والسنة نص صحيح صريح يمنع الحائض من قراءة القرآن ولايصح أن تقاس على الجنب كما سيأتي، وهذا القول انتصر له شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، واختيار الشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (وقد كان النساء يحضن على عهد رسول الله، فلوكانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة لكان هذا مما بينه النبي صلى اله عليه وسلم لأمته، وتعلمه أمهات المؤمنين، وكان ذلك مما ينقلونه إلى الناس، فلما لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهيا لم يجز أن تجعل حراما مع العلم أنه لم ينه عن ذلك، وإذا لم ينه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنه ليس بمحرم...)، وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: (إذ لا يمكنها- أي الحائض- التعوض عنها- أي قراءة القرآن- زمن الطهر؛ لأن الحيض قد يمتد بها غالبه أو أكثره فلو منعت من القراءة لفاتت عليها مصلحتها وربما نسيت ما حفظته زمن طهرها... وإذا لم يصح الحديث لم يبق مع المانعين حجة إلا القياس على الجنب والفرق الصحيح بينها وبين الجنب مانع من الإلحاق، وذلك من وجوه أحدها: أن الجنب يمكنه التطهر متى شاء بالماء أو بالتراب فليس له عذر في القراءة مع الجنابة بخلاف الحائض...)
وأما مس الحائض المصحف فلا يجوز عند جمهور العلماء؛ لقوله تعالى: "لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ"، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم : "لا يمس القرآن إلا طاهر" قال الشيخ ابن باز: (وهو حديث جيد له طرق يشد بعضها بعضا)، وإن احتاجت لمس المصحف فيكون بحائل كالقفاز ونحوه.
وعليه فيجوز للحائض أن تقرأ من الجوال، ولا يعتبر مس واجهة أو خلفية الجوال مساً للقرآن، لأن الممسوس هو الجوال، وليس المصحف، فلا يأخذ أحكام المصحف؛ فالقرآن الموجود في المصحف يختلف عن الموجود في الجوال من جهتين:
الجهة الأول: من حيث الثبات، فالقرآن في المصحف ثابت في ورق لا يزول، ولا يحرك من مكانه، والآيات في مكانها وهو ما بين الدفتين، بخلاف القرآن في الجوال فهو غير ثابت بل لا يظهر في الشاشة إلا عند الطلب، ويزول عند إلغاء البرنامج، والمقروء هو ذبذبات ضوئية قد وضعت في الجوال عبر برامج إلكترونية وتقنية معروفة، وليس من الورق.
الوجه الثاني: أن القرآن في المصحف لا حائل بينك وبينه، بخلاف الجوال فتحول الشاشة وما تحتها عن لمس الآيات، والله تعالى أعلم .