الإثنين

1446-12-06

|

2025-6-2

(من أطوار مفاوضات اتفاقية ايفيان)

من كتاب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي(ج3):

الحلقة: 383

بقلم: د.علي محمد الصلابي

جمادى الآخرة 1444ه/ يناير 2023م

 

1.انسحاب الوفد الفرنسي وعودة المفاوضات:

في يوم 13/6/1961م، قرر «ديغول» أن يسحب وفده من المفاوضات التي أصبحت تدور في حلقة مفرغة، واتهم «ديغول» الوفد الجزائري بأنه جاء إلى المفاوضات بقصد القيام بالدعاية، وفرض الشعارات الثورية التي تتبناها الثورة الجزائرية. وتساءل «ديغول» كيف يمكن تحقيق أي تقدم على طاولة مفاوضات يوجد حولها 19 متفاوضاً؟ وتساءل لماذا لا يقبل الوفد الجزائري بتخفيض العدد حتى يمكن إحراز تقدم ملموس؟

وأثناء توقف المفاوضات ذهب «لويس جوكس» إلى الجزائر لكي يتعرف على الشعور السائد هناك تجاه المفاوضات، وبعد عودته إلى باريس هتف إلى الوسيط السويسري السيد «أوليفي لونت»، وأبلغه بأن جميع الجهات التي اتصل بها في الجزائر كانت مؤيدة للتفاوض مع وفد جبهة التحرير، وأنه سيتصل بالجنرال «ديغول» ويعرض عليه فكرة استئناف المفاوضات عن قريب.

واستُؤنفت المباحثات يوم 20 جوليه 1961م بمدينة لوقران الفرنسية القريبة من الحدود السويسرية(1)، إلا أن الوفد الجزائري غاب عنه الرائد أحمد قايد والرائد علي منجلي، لأنَّ هيئة الأركان قاطعت الأشغال بسبب خلافها مع الحكومة المؤقتة، ودام الاجتماع من 20 إلى 28 جويليه 1961م(2).

2 ـ الوفد الجزائري يقطع المفاوضات:

توقفت المفاوضات يوم 28/7/1961م من نفس الشهر، وذلك بطلب من الوفد الجزائري في هذه المرة. وجاء هذا الانقطاع بمثابة صدمة للفرنسيين والسويسريين بسبب رفض فرنسا أن تكون الصحراء خاضعة للسيادة الجزائرية حتى بعد استقلال الجزائر، ولم يبق أي مسؤول كبير في الحكومة المؤقتة بجنيف لمواصلة الاتصالات، وعاد أعضاء الوفد الجزائري كله إلى تونس، ما عدا السيد الطيب بو لحروف سفير الجزائر بسويسرا وإيطاليا.

وفي الفترة الممتدة من 9 إلى 27/8/1961م اجتمع أعضاء المجلس الوطني للثورة في طرابلس، وذلك بقصد دراسة نتائج المفاوضات مع فرنسا، وتقييم مسار الثورة الجزائرية بعد حوالي 7 سنوات من الحرب المتواصلة ضد الاستعمار الفرنسي، وبعد نهاية الاجتماع في يوم 27/8/1961م صدر بيان من المجلس الوطني للثورة الجزائرية، يدعو فيه إلى تقوية العمليات العسكرية لجيش التحرير الوطني الجزائري، وتجنيد الجماهير الجزائرية لمواصلة الكفاح حتى نيل الاستقلال التام، وتحقيق مبدأ الوحدة الترابية للوطن، ووحدة الشعب الجزائري. كما تقرر في هذا المؤتمر تغيير عدد من أعضاء الحكومة التي يرأسها فرحات عباس، حيث تم تعيين بن يوسف بن خدة رئيساً للحكومة الجديدة، وسعد دحلب وزيراً للخارجية،، وكريم بلقاسم وزيراً للداخلية، ونائباً لرئيس الحكومة(3).

3 ـ المفاوضات السرية:

قرَّر المتفاوضون اختيار اتصالات سرية للتهرب من الصحافيين، ومن تسريب أخبار قد تضر بسير المفاوضات.

وفي يوم 28 أكتوبر 1961م انطلقت المفاوضات السرية بين الوفد الجزائري المتكون من رضا مالك ومحمد الصديق بن يحيى، والوفد الفرنسي المتكون من دولوس وشايي. وبعد يومين من التفاوض السري، قرَّر الوفدان الافتراق على أن يلتقيا من جديد في الفترة الممتدة من 8 إلى 10 نوفمبر 1961م.

وتعقد الوضع من جديد يوم طلبت الحكومة المؤقتة من الحكومة الفرنسية أن تسمح لوفد جزائري بزيارة الزعماء الخمسة الذين لا زالوا في السجن بفرنسا. واشترط «ديغول» أن يحصل هذا بعد أن يسفر اللقاء بين جوكس ودحلب على نتائج إيجابية في اجتماعهما القادم، وبالفعل فقد اجتمع «جوكس» ودحلب يوم 9 ديسمبر 1961م بمدينة «روس» الفرنسية، وتوصلا إلى نتائج مرضية.

وفي يوم 15/12/1961م، وافقت السلطات الفرنسية للسيد محمد الصديق بن يحيى أن يتوجه إلى فرنسا، ويجري اتصالات مباشرة بالزعماء الخمسة المسجونين في قصر «أولنوا»، وبعد عودة بن يحيى من فرنسا، التقى الوزيران الفرنسي والجزائري يوم 25/12/1961م بنفس المدينة «روس»، وفي هذا اللقاء قامت فرنسا بتقديم مشروع بيان إلى الحكومة المؤقتة، والتزمت هذه الأخيرة بدورها بتقديم مشروع بيان إلى فرنسا في مطلع يناير 1962م، وفي الفترة الممتدة من 27 إلى 29 ديسمبر 1961م قام بن طوبال بزيارة الزعماء الخمسة، والتقى للمرة الثالثة «جوكس» ودحلب يومي 29 و30 ديسمبر 1961م، وذلك بقصد تقديم وثيقة إضافية من الحكومة الفرنسية إلى الحكومة المؤقتة(4).

وفي يوم 9 يناير 1962م، جاء محمد الصديق بن يحيى بمشروع الحكومة المؤقتة الذي سلمه إلى المسؤولين الفرنسيين، وبعد دراسته طلب «ديغول» من جوكس أن يعجل بإنهاء المشكل الجزائري، والإقلال من الاتصالات المتواصلة برئيس الوفد الجزائري. والسبب في هذا التوجه الجديد هو أن المنظمة السرية للجيش قد كثفت من نشاطاتها في الجزائر، وأصبحت هي التي تؤثر في الأوربيين بالجزائر، والحكومة الفرنسية أصبحت غير قادرة على التحكم في زمام الأمور هناك، كما أن البلبلة والقلق والتخوف من المستقبل قد بدأت تزعج أبناء الشعب الفرنسي في فرنسا ذاتها.

 

مراجع الحلقة الثالثة والثمانون بعد الثلاثمائة:

(1) التاريخ السياسي للجزائر ص ص 531.

(2) الثورة الجزائرية، د . بو علام ص 559.

(3) التاريخ السياسي للجزائر ص 533.

(4) التاريخ السياسي للجزائر ص 534.

(5) المصدر نفسه ص 535.

 

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

http://www.alsallabi.com

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

http://www.alsallabi.com

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

http://www.alsallabi.com


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022