الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

(من دلالات الحديث عن زيارة ابراهيم عليه السلام لمصر)

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 159

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

جمادى الأولى 1444ه/ ديسمبر 2022م

 

عندما ننظر في الحديث الذي سجل قصة إبراهيم - عليه السّلام - وسارة مع ملك مصر، فإننا نخرج منه ببعض النتائج والفوائد، ولعل منها:

- اسم زوج إبراهيم - عليه السّلام - هو سارة كما ورد مصرحاً به في الحديث.

- كانت سارة رضي الله عنها من أحسن الناس وأجملهن.

- كان ذلك الملك جباراً من الجبابرة وكان فاجراً شهوانياً وكان مرتكباً للفاحشة ملاحقاً للنساء.

- كانت له حاشية أو عصابة، مهمتها البحث عن النساء الجميلات وإحضارهن إليه طوعاً وكرهاً؛ ليفجر بهن، وتحويل مهمة الملك ليكون "صائدي نساء" هذا من سمات الأنظمة الجاهلية في كل زمان ومكان(1).

- أمر إبراهيم سارة لتقول للملك أنّها أختي، ليأخذها الملك وهناك يقدم الله لذلك الملك آية ومعجزة، وليحقّ قدره سبحانه فيعصم سارة من فجوره وتأخذ هاجر معها.

- قال إبراهيم عن سارة أنّها أخته، وأراد الأخوة في الدين، فهو مسلم وهي مسلمة، والإسلام جمع بينهما في أخوة إيمانية وإن كانا زوجين، ولقد كان إبراهيم - عليه السّلام - صادقاً عندما قال: أنّها أخته وأراد بذلك الأخوة الإيمانية، وقد وضّح إبراهيم - عليه السّلام - هذا لسارة وذلك في قوله لها: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، ولأنَّ الحاشية فهموا من كلامه الأخوة في النسب اعتُبر كلامه كذباً ظاهراً، لأنه شابه الكذب في الظاهر؛ لكنه صدق في الحقيقة.

- إنَّ إبراهيم - عليه السّلام – نبيّ، وإن الله هو الذي يوحي إليه ويوجهه، فالله هو الذي أمره بإرسالها وتسليمها، وعليه أن يطمئن، ولا يقلق فستكون عند الملك في رعاية الله وحفظه، ولن ينال الملك منها شيئاً وكان إبراهيم - عليه السّلام - واثقاً بوعد الله مسلّماً أمره إليه.

- عصم الله سارة من فجور الملك، وقدّم لها كرامة بارزة، وقدّم لذلك الفاجر الجبار آية على قوة الله وقدرته وعلى عجز ذلك الجبار، فلما مدّ يده لها أول مرة قبضها الله وعطّلها، فعجز الملك عن تحريكها أو التحكم فيها، فتعجب واستغرب لأنّها أول مرة تحصل معه، وطلب من سارة أن تدعو ربّها ليطلق يده ولن يؤذيها، ولما فعلت ذلك عاود الملك الكرّة مرة ثانية ثم مرة ثالثة، عند ذلك علم الملك أنه ممنوع من الوصول إليها وأيقن بعجزه عن مسّها، وأن هناك قوة أخرى تحفظها وتعصمها وتحميها منه، وهذا هو المراد من الحادثة وهذه هي الحكمة.

- أراد الملك إكرام هذه المرأة المحفوظة العفيفة، فقدم لها إحدى النساء؛ لتكون خادمة لها وجارية عندها وهي هاجر، وأعادها إلى إبراهيم - عليه السّلام - معززة مكرّمة عفيفة مصونة.

- كان إبراهيم - عليه السّلام - أثناء غياب امرأته عند الملك ملتجئاً إلى الله يُصلي له ويدعوه ويستنصره، ويطلب منه حفظ وعصمة امرأته، وعادت إليه سارة وهو يصلي، وقد كان هدي محمد صلّى الله عليه وسلّم إذا أحزنه أمر أو وقع في ضيق، يفزع إلى الصلاة(3).

- كان من دعاء سارة - عليها السلام - وهي في طريقها إلى الجبار: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك، وأحصنت فرجي إلّا على زوجي، فلا تسلط عليّ الكافر(4)، فقد استجاب الله لها.

- فرح إبراهيم - عليه السّلام - بعودة سارة، وهو متلهّف متسرّع ليعرف ماذا جرى لها، ولهذا لم ينتظر حتى يفرغ من الصلاة، بل أومأ بيده أثناء الصلاة متسائلاً: مَهْيا؟ ومعنى: "مًهْيا" ما الخبر؟ ولم يتكلم بلسانه لأنه كان في الصلاة وإنما كانت إشارة يده توحي بهذا الاستفهام.

- يتجلى من جواب سارة - عليها السلام - قوة إيمانها بالله، فقد أسندت الحفظ والرعاية إلى الله، وأعادت الفضل إلى مانحه سبحانه وتعالى، وذلك قولها: ردّ الله كيد الفاجر في نحره، وأخدمَ هاجر.

- قدم أبو هريرة راوي الحديث رضي الله عنه على الحادثة تعقيباً ذكياً لطيفاً وذلك في قوله: "فتلك أمكم يا بني ماء السماء"، وهو بهذا يخاطب الصحابة ويقول لهم: هاجر المصرية القبطية هي أمكم؛ لأن إبراهيم جعلها "سرّيته" فيما بعد، وأنجبت له إسماعيل وبما أنكم أبناء إسماعيل فهاجر أمكم(5).

- معنى قوله "يا بني السماء": أن العرب في بلادهم يعتمدون على ماء السماء - وهو المطر- في الزراعة والكلأ والعشب والرعي، ولذلك كأنهم صاروا أبناء المطر ماء السماء، وهذه بعض الفوائد والدلالات السريعة التي نخرج بها من هذا الحديث الصحيح(6).

- يجب الحذر وبيان بطلان ما تدعيه توراة اليهود أن سبب هجرة إبراهيم - عليه السّلام - إلى مصر كانت الأسباب معيشية، حيث إن أرض الشام كانت في ذلك الوقت تتمتع بالخصوبة، والصحيح أن هجرته - عليه السّلام - إلى مصر كانت لأسباب دينية كالدعوة إلى توحيد الله وإفراد العبادة له، كما أن الحالة الدينية في مصر في زمن هجرة الخليل - عليه السّلام - كانت مهيأة لنشر دعوة إبراهيم - عليه السّلام - بين الناس.

- إن ما ورد في أسفار اليهود حول قصة إبراهيم وسارة مع ملك مصر متناقضة مع ما ورد في الروايات الإسلامية حول تلك القصة، ويجب الحذر مما ألصق اليهود في أسفارهم بإبراهيم - عليه السّلام - من صفات قبيحة وأعمالاً دنيئة يندى لها الجبين، ويقشعر منها البدن مثل الكذب، والخوف على حياته من الموت والدياثة والتكسب بالمال عن طريق المتاجرة بشرف زوجته، والمخاطرة بالعرض والشرف.. إلخ، وإن غرض اليهود من إلصاق هذه التهم بإبراهيم - عليه السّلام - بهدف أن يبيحوا لأنفسهم التخلق بهذه الصفات القبيحة وممارسة الأفعال الدنيئة، وأن ذلك لا حرج عليهم لأنهم يقتدون في أخلاقهم وسلوكهم بإبراهيم - عليه السّلام -(7).

 

مراجع الحلقة التاسعة والخمسون بعد المائة:

(1) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/378).

(2) المرجع السابق، الخالدي، (1/379).

(3) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/380).

(4) رواية البخاري في صحيحه عن الأعرج في أواخر كتاب البيوع.

(5) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/381).

(6) القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، (1/381).

(7) إبراهيم عليه السلام في أسفار اليهود "عرض ونقد"، فاطمة بنت خالد ردمان، ص154.

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022