تأملات في الآية الكريمة: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 116
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
ربيع الآخر 1444ه / أكتوبر 2022م
في قوله:{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا}: فهماً وعلماً، ومعرفة بك، وبحدودك، وأحكامك، وعلماً كثيراً أعرف به الأحكام والحلال والحرام، وأحكم به بين الأنام(1).
وهذا شيء رائع أن يَهبك الله عزّ وجل قدرة على فهم النصوص، وقدرة على فهم ما وراء النصّ، وقدرة على فهم سرّ التشريع وقدرة على فهم الحكمة، هذا من فضل الله على الإنسان، وكان من فضل الله على رسله أن علمهم ووهب لهم الحكمة(2).
ويا {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا} أي: أعطني الحكمة التي أعرف بها القيم الصحيحة والقيم الزائفة، فأبقى على الدرب يصلني بما هو أبقى بالله سبحانه، والحكمة هي الكمال في العلم والعمل بحيث يتمكن من خلافة الحق ورياسة الخلق، والحكمة أساس الحكم {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا..} ]البقرة:269[(4).
وقال ابن عاشور: والحكم: هو الحكمة والنبوّة، وقد كان إبراهيم - عليه السّلام - حين دعا نبياً، فلذلك كان السؤال طلباً للازدياد؛ لأن مراتب الكمال لا حدّ لها بأن يعطي الرسالة مع النبوّة، أو يُعطى شريعة مع الرسالة، أو سأل الدوام على ذلك(5).
وفي بدء الدعاء بالنداء ضراعة وتذلل وخضوع لربه عزّ وجل، ونداؤه لربّه تعالى بلفظ الربوبية يشعر باستجابته له، والهبة لأنّها عطاء بلا مقابل، فقوله: {هَبْ لِي} إشارة إلى استجابة الله عزّ وجل له محضّ فضل منه عليه ومنحة بمنحها إياه(6).
وفي قوله: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} يقولها إبراهيم النبي الكريم الأواه الحليم، فيا للتواضع ويا للتحرج، ويا للإشفاق من التقصير، ويا للخوف من تقلب القلوب، ويا للحرص على مجرد اللحاق بالصالحين بتوفيق من ربّه إلى العمل الصالح الذي يلحقه بالصالحين(7).
و{وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} أي: وفقني وأعطني من العلوم والأعمال والملكات ما يؤهلني للانتظام في زمرة الكاملين الراسخين في الصلاح(8).
ويقول ابن كثير: أي اجعلني مع الصالحين في الدنيا والآخرة، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم عند الاحتضار: اللهم في الرفيق الأعلى قالها ثلاثاً، وفي الحديث: اللهم أحيّنا مسلمين، وأمتنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مبدّلين(9).
مراجع الحلقة السادسة عشر بعد المائة:
(1) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص1222.
(2) تفسير النابلسي "تدبر آيات الله في النفس والكون والحياة"، (8/374).
(3) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2604).
(4) قصة إبراهيم في القرآن الكريم، إسحاق محمد حمدان البدارين، ص48.
(5) تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، ابن عاشور (19/125).
(6) الحوار في قصة الخليل عليه السلام في القرآن دروس وعبر، محمود سعد عبد الحميد شمس، ص367.
(7) في ظلال القرآن، سيد قطب، (5/2604).
(8) قصة إبراهيم في القرآن الكريم، إسحاق محمد حمدان البدارين، ص48.
(9) مختصر تفسير ابن كثير، محمد علي الصابوني، (2/65).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي