تأملات في الآية الكريمة: {قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 86
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
صفر 1444ه / سبتمبر 2022م
هو جواب يدلُّ على التحجر العقلي والنفسي داخل قوالب التقليد الميتة، في مقابل حرية الإيمان وانطلاقه للنظر والتدبّر، وتقويم الأشياء والأوضاع بقيمها الحقيقية لا التقليدية، فالإيمان بالله تعالى طلاقة وتحرر من القداسات الوهمية التقليدية، والوراثات المتحجرة التي لا تقود على دليل.(1)
ولفظ {وَجَدْنَا} يوحي بافتخارهم وتحقيقهم وظفرهم بالأمر الثمين، وأما التعبير بــــ {آَبَاءَنَا} فيضفي معنى القداسة والقدوة والامتثال، بخلاف لو قالوا "قومنا" أو ما في معناها، ويستغرب المتأمل في هذا الجواب كيف يتفوه به شخص منحه الله عقلاً، يعرف به الحق من الضلال ويميز الخطأ من الصواب، لكنها الإبائية المقيتة، التي تلغي العقول، وتنسف الأدلة مهما كانت واضحة قوية، وتشلّ كل محاولات التحاور ومداولات المراجعة والتصحيح.(2)
إنَّ المتأمل في هذا الجواب التافه الخالي من كل معنى يمكن أن يتقبله العقل، يستغرب كيف يتفوه به شخص، فضلاً عن أن يستحق أن ينقل أو يذكر، ولكن الحوار القرآني - بكل دقّة وأمانة- ينقله نقلاً تاماً بلا تقطيع ولا تبديل، وهكذا فالحوار ههنا يستحضر الآخر ويعطيه الفرصة الكاملة لكي يتم جملة مفيدة، لكي يتم نصاً كاملاً، ليتم فكرة واضحة بكل قوتها وجمالها وتناسقها.
ومن خلال ذلك ندرك تميّز المنهجية الحوارية في القرآن الكريم والتي تفسح المجال واسعاً أمام حضور الآخر - مهما كان رأيه وموقفه- ولا تعمد إلى أساليب التشوية والتحريف والبتر والإقصاء التي - للأسف الشديد- يتخندق بها اليوم كثير من الرموز المسيطرة على منافذ الإعلام والتأثير في قطاعات كبيرة وكثيرة من البلاد العربية والإسلامية.(3)
وهذه المقالة {وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} تكررت في أكثر من جيل، وعند معظم الرسل، وقد قالها قوم محمد صلّى الله عليه وسلّم {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} ]الزخرف:22[، وقالها كل قوم لكل رسول يسبق محمداً صلّى الله عليه وسلّم {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} ]الزخرف:24[.
مراجع الحلقة السادسة والثمانون:
(1) في ظلال القرآن، سيد قطب، (4/2385).
(2) صناعة الحوار، حمد عبد الله السيف، ص101.
(3) المرجع نفسه، ص302.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي