الإثنين

1446-12-06

|

2025-6-2

(خطة نور الدين في بداية فتح مصر)

من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

الحلقة: 109

بقلم: د.علي محمد الصلابي

شعبان 1444ه/ فبراير 2023م

 

كانت خطة نور الدين في بداية فتح مصر تركز على أمرين هامين:

الأول: تغيير النظام القضائي بها، بحيث يعتمد على مذهب السنة بدلاً من المذهب الشيعي الإسماعيلي الباطني، وحاول نور الدين أن يكل هذا الأمر إلى الفقيه الشافعي شرف الدين بن أبي عصرون.

يذكر أبو شامة: أنه وقف على كتاب بخط نور الدين إلى هذا الفقيه، وكان بحلب يطلب منه الذهاب إلى مصر؛ ليتولى قضاءها، ومما قاله نور الدين للشيخ: «أنت تعلم أن مصر اليوم قد لزمنا النظر فيها، فهي من الفتوحات الكبار، التي جعلها الله دار إسلامٍ بعد أن كانت دار كفر، ونفاق...إلا أن المقدم على كل شيء أمور الدين التي هي الأصل، وبها النجاة، وأنت تعلم: أنَّ مصر ما هي قليلة، وهي خالية من أمور الشرع.. والان قد تعين عليك وعلي أيضاً أن ننظر إلى مصالحها، وما لنا أحد اليوم لها إلا أنت.. فيجب أن تشمر عن ساق الاجتهاد، وتتولى قضاءها، وتعمل ما تعلم: أنَّه يقربك من الله»(1).

والأمر الثاني: كان يتعلق بإقامة الخطبة العباسية في مصر، فما إن استقرت عساكر نور الدين فيها؛ حتى وردت عليه رسالة من الخليفة المستنجد يتعجل إقامة الخطبة له في مصر، ثم لما ولي «المستضيء» في عام 566 هـ / 1170 م كرر هذا الطلب، وكان نور الدين بدوره يطلب من صلاح الدين الإسراع في تنفيذ هذه الخطوة. لكن صلاح الدين كان يؤثر اتخاذ خطوات متدرجة؛ حتى لا يواجه بما لا تحمد عقباه إلى أن ألزمه نور الدين بذلك إلزاماً، لا فسحة فيه في رسالة أرسلها إليه مع والده نجم الدين أيوب، فاعتذر لأبيه بأن هذا الأمر إن لم يؤخذ بالتدرج، فسيؤول أمره إلى الفساد، وفعلاً كان صلاح الدين يسير نحو رغبة نور الدين بخطوات متأنية، استطاع بعدها أن يقطع خطبة العاضد الفاطمي، ويخطب للخليفة العباسي في المحرم من عام 567 هـ/1171 م، وما لبث العاضد أن توفي بعد أيام من الدعاء للعباسيين على منابر مصر، وبموته سقطت الدولة الفاطمية(2)، وأرسل نور الدين القاضي ابن أبي عصرون إلى الخليفة العباسي يحمل رسالة تتضمن البشارة بهذا الحادث الكبير، وأمره نور الدين أن يقرأ البشارة في كل مدينة يمر بها، فلم يترك مدينة في الطريق إلى بغداد إلا دخلها، وقرأ فيها هذه البشارة؛ حتى وصل إلى عاصمة الخلافة، فخرج الموكب لتلقيه، ونثرت عليه الدنانير، وحمل معه عند عودته التشريفات والخلع من الخليفة إلى نور الدين، وصلاح الدين(3).

وبذلك قُدِّرَ لمصر أن تعود إلى رحاب السنة في عهد نور الدين، الذي تركزت جهوده في هذا المجال حول ثلاثة جوانب: الفتح العسكري الذي مهد الطريق أمام التحول السني، وتغيير النظام القضائي من المذهب الإسماعيلي الشيعي إلى المذهب الشافعي السني، ثم إسقاط الخلافة الفاطمية، وإقامة الخطبة للخلافة العباسية السنية(4).

وإذا كانت معظم جهود نور الدين الفكرية قد وزعت بين حلب، ودمشق، ومصر، فإن هذا لا يعني إهمال بقية المناطق الخاضعة لنفوذه، بل إنه أنشأ المدارس السنية في كثير منها، وشيّد عدداً كبيراً من المساجد التي كانت مهيأة للعبادة والدرس، فبنى للفقيه ابن أبي عصرون مدارس في حلب، وحمص، وبعلبك(5).

ويقول ابن خلكان عن نور الدين: إنه بنى المدارس بجميع بلاد الشام، مثل: دمشق، وحلب، وحماة، وحمص، وبعلبك، ومنبج، والرحبة، وبنى بمدينة الموصل الجامع النُّوري، ورتب له ما يكفيه، كما بنى جامع حماة، وجامع الرُّها، وجامع منبج(6).

 

مراجع الحلقة التاسعة بعد المائة:

(1) كتاب الروضتين نقلاً عن التاريخ السياسي والفكري ص 220.

(2) التاريخ السياسي والفكري ص 221.

(3) التاريخ السياسي والفكري ص 221.

(4) كتاب الروضتين نقلاً عن التاريخ السياسي والفكري ص 221.

(5) الدارس في تاريخ المدارس (1/401).

(6) وفيات الأعيان (4/272).

 

يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022