تأملات في الآية الكريمة {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 225
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شعبان 1444ه/ مارس 2023م
أي: مُعلَّمة فكل حجر منها يجمل اسم صاحبه وعنوانه، فهو مخصص له لا لغيره وموجّه إليه لا يُخطئه، وقوله: {عِنْدَ رَبِّكَ}: دلّ على أنّها نزلت من السماء وليست من حجارة الأرض وأنها مُعلَّمة من عند الله جاءت هكذا جاهزة، ونحن مهمّتنا أن نرميهم بها بأسماء أصحابها فلا يختلط حجر بحجر.
ومعنى {لِلْمُسْرِفِينَ}: المسرف هو الذي تجاوز الحدّ في المعصية، فكان هناك حدوداً للأمور، وحدوداً للحلال وحدوداً للحرام، وقد بيّنها الحق سبحانه وعلّمنا كيف نقف عند هذه الحدود؛ فقال تعالى في الحلال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} ]البقرة:229[، وقال في الحرام: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} ]البقرة:187[، أي: قف عند حدود الحلال لا تتجاوزه إلى غيره، أما الحرام فإياك أن تقربه، احذر مجرد الاقتراب منه؛ لأنّك لو اقتربت منه توشك أن تقع فيه فهي حماية لك(1).
كما قال سبحانه لآدم: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} ]البقرة:35[، وقال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} ]الإسراء:32[، ففي الحرام لا يمنعنا من الفعل، بل يمنعنا من الاقتراب من أسبابه، ففي أي شيء أسرف هؤلاء المجرمون المسرفون؟ أسرفوا في فعل محرّم يناقض الطبيعة النقية، التي خلقها الله(2).
والجريمة التي ارتكبها هؤلاء القوم واستحقوا بها ما حاق بهم من ألوان العذاب، أنهم صرفوا هذه الغريزة التي جعلها الله في الإنسان عن وجهها الحلال إلى وجه آخر محرم لا فائدة منه ولا ثمرة له؛ وجه ينافي الفطرة السليمة والأذواق المستقيمة، فكانوا يأتون الذكران بدل أن يأتوا النساء كما أحل الله تعالى، ومعلوم أن الإتيان مقصور على مكان الحرث والاستنبات: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ]البقرة:223[، ويكون ذلك عن طريق الزواج الذي أباحه الله لعباده.
لكن قوم لوط أسرفوا على أنفسهم ووقعوا في جريمة الإتيان للذكران وتصريف الشهوة الجنسية بوسيلة شيطانية، ولما كان هذا الفعل زنا يستحق الرجم، رجمهم الله لا بحجارة من الأرض وإنما بحجارة من السماء تنزل على كل واحد منهم باسمه تخصه دون غيره، بحيث لم تُبقِ منهم أحداً وأبادتهم عن بكرة أبيهم(3).
مراجع الحلقة الخامسة و العشرون بعد المائتين:
(1) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (23/14590).
(2) المرجع نفسه (23/14592).
(3) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (23/14592).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي