تأملات في الآيات الكريمة
{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ* وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 226
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
شعبان 1444ه/ مارس 2023م
1. قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}:
أي: قبل أن ينزل بهم العذاب أخرجنا من كان في القرية من المؤمنين، والمعنى: ما قلنا لهم اخرجوا، إنما هيّأنا لهم سبيل الخروج بخواطر قذفناها في نفوسهم، فخرجوا ولم يُصبهم العذاب(1).
أيّ: أخرجنا من كان في القرية وهي سَدُوم وهي في الشام قريبة من البحر الميت، والذين خرجوا فعلاً هم آل لوط، إلا امرأته فلم تكن مؤمنة، ولكنها في الظاهر كانت معدودة من المسلمين، والله أعلم كانت تتظاهر بطاعة لوط، وصفها الله في سورة "التحريم" بالخيانة {فَخَانَتَاهُمَا} ]التحريم:10[، فهي ظاهراً كانت من المسلمين لكن في باطنها مع قومها(2).
وخيانتها أنّها كانت تدلُّ قومها على أضيافه وقلبها معهم، وليست خيانة فاحشة ولا في الفراش، وإنما خيانة في الدين، فإنه ما بغت امرأة نبي قط(3).
2. قوله تعالى: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}:
والمنافق معدود ظاهراً من المسلمين، ولكنه ليس من المؤمنين، ولذا وُصف البيت بالإسلام، ولكنه حدّد الذين أخرجوا ونجوا بأنهم المؤمنون فحسب(4).
وقد بيّنت آية العنكبوت بأن زوجة لوط عليه السلام كانت من الغابرين؛ قال تعالى: {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} ]العنكبوت:33[.
3. قوله تعالى:{وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}:
أي: في القرية والمكان الذي حدثت فيه هذه العملية، جعلنا للعقوبة التي حلت بهم آثاراً تدل عليهم وفي ذلك تحذير من فعلهم(5).
وقال الشيخ محمد متولي الشعراوي: الآية الباقية بعد هلاكهم هي الحجارة التي أهلكهم الله بها ما تزال موجودة، ومن يراها يقول: هذه ليست حجارة الأرض، بل هي نوع آخر هي الحجارة التي نزلت على هؤلاء المجرمين فأهلكهم الله تعالى بها، وهكذا تظل هذه الآية الكريمة باقية؛ لردع كل من تسوّل له نفسه أن يفعل فعلهم، وقالوا: بل الآية التي تركها الله تعالى شاهداً عليهم هي عيْن مُنتنة، لا يطيق الإنسان أن يشمها(6).
وفي قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آَيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} فالذين يخافون هم الذين يرون الآية ويدركونها وينتفعون بها، أما الآخرون فمطموسون لا يرون آيات الله لا في الأرض، ولا في أنفسهم، ولا في أحداث التاريخ(7).
مراجع الحلقة السادسة و العشرون بعد المائتين:
(1) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (23/14592).
(2) إشراقات قرآنية، سلمان العودة، (1/137).
(3) التدبر والبيان في تفسير القرآن بصحيح السنن، محمد بن عبد الرحمن المغراوي، (32/557).
(4) إشراقات قرآنية، سلمان العودة، (1/137).
(5) المرجع نفسه، (1/137).
(6) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (23/14595).
(7) في ظلال القرآن، سيد قطب، (6/3383).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي