(حالات تصح فيها الإمامة)
اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)
الحلقة: الرابعة والأربعون
جمادى الأول 1444ه/ نوفمبر 2022م
إمامة الأعمى:
وتصحُّ إمامة الأعمى بلا كراهة، فقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم يؤمُّ الناس وهو أعمى. وفي حديث محمود بن الربيع رضي الله عنه: أن عِتبان بن مالك كان يؤمُّ قومه وهو أعمى.
وقد جرى علماء الأمة في عصور المسلمين وفي عصرنا على إمامة المكفوفين للصلوات؛ لأنهم أصبحوا علماء الأمة وقاداتها الدينية، مثل الشيخ محمد بن إبراهيم آل شيخ، والشيخ ابن باز، والشيخ عبد العزيز آل شيخ، وكلهم تولوا منصب الإفتاء في المملكة العربية السعودية. وفي مصر وجد أمثال الشيخ الدجوي وكثيرين.
إمامة المفترض للمتنفل والعكس:
وتصحُّ إمامة المفترض للمتنفِّل، والمتنفل للمفترض، فعن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبصر رجلًا يصلِّي وحده، فقال: "ألا رجل يتصدَّق على هذا فيصلِّي معه"، وفي حديث يزيد بن الأسود: "إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة".
وعن جابر رضي الله عنه، أن معاذ بن جبل رضي الله عنه، كان يصلِّي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع فيؤمُّ قومه، ومعلوم أن الصلاة الأولى هي الفريضة، والثانية لمعاذ هي النافلة، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
إمامة المسافر للمقيم:
وتصحُّ إمامة المسافر للمقيم، ويتمُّ المقيم بعد سلام المسافر، لحديث عمر رضي الله عنه، أنه كان إذا قدم بمكة صلَّى بهم ركعتين ثم يقول: يا أهل مكة، أتمُّوا صلاتكم فإنا قوم سَفْرٌ، فظهر من ذلك أن المقيم إذا صلَّى خلف المسافر صلاة الفريضة كالظهر والعصر والعشاء، فإنه يلزمه أن يكمِّل صلاته أربعًا، وإذا أمَّ المسافر المقيمين فأتمَّ بهم فصلاتهم تامَّة صحيحة، وخالف الأفضل، فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تتمُّ الصلاة في السفر، فعن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: الصلاة أول ما فُرِضَتْ ركعتين، فأُقِرَّت صلاة السفر، وأُتِمَّتْ صلاة الحضر، قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت ما تأول عثمان، وقد كان عثمان رضي الله عنه يتمُّ بالناس في الحجِّ في السنوات الأخيرة من خلافته، ولكن الأفضل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المشرِّع المعلِّم.
إمامة المقيم للمسافر:
وتصحُّ إمامة المقيم للمسافر، ويُتِمُّ المسافر مثل صلاة إمامه، سواء أدرك جميع الصلاة، أو ركعة، أو أقلَّ، أو أدركه في التشهُّد الأخير قبل السلام؛ فإنه يتمُّ، وهذا هو الصواب من قولي أهل العلم، لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما، من حديث موسى بن سلمة رحمه الله، قال: كنا مع ابن عباس بمكة فقلتُ: إنا إذا كنا معكم صلَّينا أربعًا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين. قال: تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. وكان ابن عمر رضي الله عنهما، إذا صلَّى مع الإمام صلَّى أربعًا، وإذا صلاَّها وحده صلَّى ركعتين.
وذكر الإمام ابن عبد البر رحمه الله الإجماع على أن المسافر إذا دخل في صلاة المقيمين فأدرك ركعة أنه يلزمه أن يصلِّي أربعًا، قال: «وقد أجمعوا على أن المسافر إذا أدرك ركعة من صلاة المقيم لزمه الإتمام، بل قد قال أكثرهم: إنه إذا أحرم المسافر خلف المقيم قبل سلامه، أنه تلزمه صلاة المقيم، وعليه الإتمام».
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) صص101-103