الإثنين

1446-12-06

|

2025-6-2

(كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي: خلاصات واستنتاجات)

الحلقة: 399 والأخيرة

بقلم: د. علي محمد الصلابي

شعبان 1444ه/ مارس 2023م

 

في يوم 3 جويلية 1962م أنزل العلم الفرنسي من طرف جنود فرنسيين في ساحة «بومرداس» ورفع مكانه العلم الجزائري من طرف شاب من الكشافة الجزائرية الإسلامية ومجاهد من المجاهدين.

توجه رئيس الحكومة المؤقتة الجزائرية يوسف بن خدة إلى مقر ولاية الجزائر وهو مصحوب بأعضاء من الحكومة المؤقتة وهم: بلقاسم كريم، ومحمد بوضياف، وحسين ايت أحمد، ولخضر بن طوبال، وعبد الحفيظ بوصوف، ومحمد يزيد.

منذ تصريح تلسمان تصرف المكتب السياسي كمركز للسلطة، فتعاملت الهيئة التنفيذية معه بدلاً من الحكومة المؤقتة، والمعلوم أن هيئة الأركان أيدته منذ انتهاء اجتماع المجلس الوطني، وشرعت في حملة انتقاد ضد الحكومة المؤقتة.

تنازل يوسف بن خدة عن صلاحياته كرئيس الحكومة المؤقتة وحولها للمكتب السياسي.

عُقد اجتماع في بوسعادة يوم 27 أوت 1962م فأخذ القرار لدخول العاصمة، حضر الاجتماع أحمد بن بلة ومحمد خيضر، وسعيد محمدي، والحاج محمد بن علا، وأعضاء هيئة الأركان العامة هواري بومدين، وعلي منجلي وأحمد قايد والشريف بلقاسم وغيرهم.

وقعت اشتباكات بين الوحدات في عدد من الأماكن وتظاهر سكان المناطق لوقف الزحف، وفي بعض الأحيان تمددوا على الطريق لمنع الاشتباكات، وتدخل الوسطاء بين الطرفين وفتحت الطريق أمام وحدات الجيش وعلى قبول مبدأ تحوير جيش التحرير الوطني، وعلى المشاركة في تحضير قوائم المرشحين للانتخابات التشريعية.

بعد هذا الاتفاق تسارعت الأحداث واستقر أحمد بن بلة يوم 4 سبتمبر 1962م بالعاصمة وهو مرفوق بالمكتب السياسي الذي نظم أموره داخل العاصمة.

وتمّ تنظيم الانتخابات وقدّم المكتب السياسي 196 مترشحاً، وحصلت القوائم على قبول أغلبية الناخبين.

ـ يوم 20 سبتمبر 1962م جرت الانتخابات في ظروف حسنة لأن الشعب الجزائري فضّل الرجوع إلى مؤسسات تخدم الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي خلّفها الاستعمار وسبعة أعوام ونصف من الحرب.

اجتمع المجلس التأسيسي يوم 25 سبتمبر 1962م فانتخب فرحات عباس رئيساً له.

يوم 28 سبتمبر 1962م انتخب أحمد بن بلة رئيساً للحكومة فشكلها وقدم برنامجها فصادق عليه المجلس.

راعى رئيس الحكومة في التشكيلة التوازن الجهوي وإرضاء المكتب السياسي وهيئة الأركان العامة وتمثيل تشكيلات قديمة كحزب فرحات عباس «من خلال أحمد بومنجل وأحمد فرانسيس» وجمعية العلماء المسلمين «من خلال أحمد توفيق المدني» فهنا يبتدأئ تاريخ جديد.

لقد ساند الشعب مساندة مطلقة الكفاح المسلح لاسترداد الحرية والكرامة، وتحقيق الاستقلال، ولقد نجحت الثورة بفضل الله ثم وعي الجماهير، والأخذ بفقه النضال والكفاح والجهاد لتحقيق المقاصد والامال والأهداف المشتركة للمواطنين.

لقد ساهمت تعاليم الإسلام في الدفع المعنوي والزاد الروحي لتحقيق هذا الفوز العظيم.

خطب الأستاذ الإمام محمد البشير الإبراهيمي يوم الجمعة 5 جمادى الثانية 1382هـ الموافق الثاني من نوفمبر 1962م في مسجد كتشاوا بالجزائر العاصمة بحضور أركان الدولة ووفود غفيرة من مختلف الدول الإسلامية.

توفي الإمام محمد البشير الإبراهيمي يوم 20 ماي 1965م وشيّع إلى مثواه الأخير في جنازة مهيبة حضرها عشرات الألوف من أبناء الشعب الجزائري. وقال وزير الدفاع هواري بومدين بعدما ألقى النظرة الأخيرة على جثمانه وقرأ الفاتحة عليه وخاطب الحاضرين قائلاً: إن رحيل الشيخ البشير الإبراهيمي لا يعد خسارة لأسرته وحدها فبرحيله تفقد الجزائر، بل والعالم الإسلامي قاطبة، رجلاً كرّس حياته كلها من أجل عزة الجزائر والإسلام، تغمد الله الفقيد برحمته الواسعة.

رحم الله شهداء الجزائر وعلماءها وقادتها وأبطالها ومن ناصرهم وازرهم وحمل رسالتهم المقدسة في تحرير الشعوب.

رحم الله كل من رفض الدنيئة في دينه وعرضه وكرامته وإنسانيته، فقاوم الاحتلال الفرنسي جيلاً بعد جيل وتصدى لكل ألوان الظلم بكافة أشكاله وأنواعه وصوره البشعة.

رحم الله قوافل الشهداء وتقبل الله الأثمان الغالية من مهج وجوع وخوف ومال قدموها في سبيل الله عز وجل.

رحم الله أولئك الأحرار الذين سطروا ملحمة الجهاد الغالية والكفاح المرير وعلموا الشعوب المتعطشة للحرية بأن إرادة الشعوب تنتصر على إرادة الطغاة لأن ذلك من سنن الله. {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }.

إن هذا المجهود المتواضع قابل للنقد والتوجيه وما هي إلا محاولة جادة لإزاحة الركام عن صفحات بطولية مشرقة من تاريخ شعب عزيز وحبيب الذي قدّم صفحات من نور في طريق الجهاد والكفاح والنضال تستمد منه الشعوب التي تسعى لنيل حريتها الدروس والعبر.

وأسأل الله العلي العظيم رب العرش الكريم، أن يتقبل هذه الدراسة، وأن يبارك فيها، وأن يجعلها من الأعمال الصالحة التي أتقرب بها إليه، وأن ينفع بها شعوباً وأمماً تتعرض حقوقها للانتهاكات وتسعى لنيل حريتها وكرامتها وإنسانيتها من وحوش البشر، إن ربي على كل شيء قدير.

 

يمكنكم تحميل كتب كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من موقع د.علي محمَّد الصَّلابي

الجزء الأول: تاريخ الجزائر إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى

الجزء الثاني: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وسيرة الزعيم عبد الحميد بن باديس

الجزء الثالث: كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من الحرب العالمية الثانية إلى الاستقلال وسيرة الإمام محمد البشير الإبراهيمي

 

 


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022