الأربعاء

1446-12-08

|

2025-6-4

(انقسام الدولة الزنكية بعد مقتل عماد الدين زنكي)

من كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

الحلقة: 83

بقلم: د. علي محمد الصلابي

جمادى الأول 1444 ه/ ديسمبر 2022م

 

عندما قتل عماد الدين زنكي سنة 541هـ كان ابنه الأكبر سيف الدين غازي مقيماً بشهرزور، وهي إقطاعةٌ من قبيل أبيه. بينما كان نور الدين محمود وهو الابن الثاني لعماد الدين مع أبيه عند قلعة جعبر. وبعد أن شهد مصرع أبيه؛ أخذ خاتمه من يده، وسار ببعض العساكر إلى حلب، فملكها هي وتوابعها في ربيع الاخر سنة 541هـ/1146م(1)، وكان عمره ثلاثون سنة. كما كان مع زنكي أيضاً على قلعة جعبر الملك ألب أرسلان ابن السلطان محمود السلجوقي، وكان زنكي يظهر أنه يحكم البلاد باسمه مُنذ سنة 521هـ/1127م، حيث اصطحبه معه إلى الموصل بأمر من السلطان محمود(2).

وقد ذكر المؤرخون: أن الملك ألب أرسلان حاول أن يحل محل زنكي في ملك البلاد، وأن يبعد أولاده عنها، فجمع العساكر، وأعدَّ العدة للتوجه إلى الموصل، بقصد الاستيلاء عليها، ولكن الوزير جمال الدين الأصفهاني(3)، قام بدور كبير في الحفاظ على الدولة الزنكية، وإبقائها في أيدي أولاد صاحبه، وولي نعمته عماد الدين زنكي.

فما أن شعر بقصد الملك ألب أرسلان حتى بادر بالاتصال بالأمير صلاح الدين محمد الياغسياني، حاجب عماد الدين متناسياً ما كان بينهما من خلاف، فاتفقا على حفظ الدولة لأولاد زنكي، وإبعاد الملك ألب أرسلان السلجوقي (4)عنها، حيث أرسل الوزير جمال الدين إلى صلاح الدين الياغسياني يقول له: «إن المصلحة أن نترك ما كان بيننا وراء ظهورنا، ونسلك طريقاً يبقى فيه الملك في أولاد صاحبنا، ونهر بيته جزاءً لإحسانه إلينا، فإن الملك (ألب أرسلان) قد طمع في البلاد، واجتمعت عليه العساكر، ولئن لم نتلافَ هذا الأمر في أوله، ونتداركه في بدايته؛ ليتسعن الخرْق، ولا يمكن رقعه»، فأجابه صلاح الدين إلى ذلك، وحلف كلُّ واحد منهما لصاحبه(5)، وكان أول عمل قام به جمال الدين، وصلاح الدين أَنْ أرسلا رسولاً على وجه السرعة إلى زين الدين علي كُجَك نائب زنكي في الموصل، يخبراه بما حصل لزنكي فسارع سيف الدين غازي للحضور من شهرزور إلى الموصل لتسلم الحكم فيها، وتسلمها قبل أن يتمكن ألب أرسلان السلجوقي من الوصول إليها(6).

أما الملك ألب أرسلان السلجوقي فقد تكفَّل الوزير جمال الدين الأصفهاني بإلهائه ومخادعته، ريثما تستتب الأمور لسيف الدين غازي في الموصل، وظلَّ يتنقل من مكان إلى اخر في الجزيرة، حتى تفرق معظم أصحابه عنه، ثم اتجه إلى الموصل فقُبض عليه، وأودع السجن، ولم يأت له ذكر بعد هذا التاريخ(7).

وهكذا انقسمت الدولة الزنكية بعد مقتل مؤسسها عماد الدين، بين ولديه سيف الدين غازي، الذي حكم الموصل، والجزيرة، ونور الدين محمود الذي حكم مدينة حلب، وما جاورها من مدن الشام. أما أخوهما نصرة الدين أمير أميران (8)، فقد حكم حرَّان تابعاً لأخيه نور الدين محمود، في حين كان الأخ الرابع قطب الدين مودود، لا يزال في رعاية أخيه سيف الدين غازي بالموصل. وكان نهر الخابور هو الحد الفاصل بين أملاك الأخوين، وأدَّى الوضع الجغرافي الشرقي إلى أن:

ـ يرث غازي الأول المشاكل الداخلية مع كلٍّ من الخلافة العباسية، والسلطنة السلجوقية في العراق:

أ ـ يحمي حدود الإمارة من غارات سلاجقة فارس.

ب ـ يحمي ثغور الإمارة الشمالية من تعديات سلاجقة الروم، والداشمنديين والبيزنطيين في آسيا الصغرى.

أما في القسم الغربي؛ فقد ورث نور الدين محمود المشكلتين الكبيرتين الممثلتين بأتابكية دمشق، والإمارات الصليبية المنتشرة في مختلف بلاد الشام.

 

مراجع الحلقة الثالثة والثمانون:

(1) زبدة حلب (2/285) الحياة في العهد الزنكي ص 42.

(2) الباهر ص 71، 72 الحياة العلمية في العهد الزنكي ص 42.

(3) الحياة العلمية في العهد الزنكي ص 42.

(4) نهاية الأرب نقلاً عن الحياة العلمية في العهد الزنكي ص 43.

(5) الباهر ص 84، 85.

(6) تاريخ دولة ال سلجوق ص 191 الحياة العلمية في العهد الزنكي ص 44.

(7) مفرج الكروب (1/109).

(8) الحياة العلمية في العهد الزنكي ص 44.

 

يمكنكم تحميل كتاب عصر الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي بقيادة نور الدين الشهيد في مقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022