المدرسة المدنية والمكية زمن خلافة عمر بن عبد العزيز والدولة الأموية:
من كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار (ج2):
الحلقة: 167
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رجب 1442 ه/ مارس 2021
1.المدرسة المدنية:
لما انتقل النبي ﷺ إلى الرفيق الأعلى كانت المدينة عاصمة الدولة الإسلامية وموطن الخلافة، وفيها تفتق عقل الصحابة في استخراج أحكام إسلامية، تصلح لما جدَّ من شؤون في المجتمعات الإسلامية، بعد الفتوح التي كثرت، وفي عهد عمر بن الخطاب بلغ فقهاء الصحابة المفتون (130) مئة وثلاثين صحابياً، وكان المكثرون منهم سبعة: عمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وعائشة، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وورث علماء التابعين الفقه والعلم والتربية والدعوة، وأما أشهر علماء التابعين: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد الأنصارية، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، ونافع مولى ابن عمر ، وقد تحدثت عن دور فقهاء وعلماء التابعين بالمدينة في نشأة عمر بن عبد العزيز.
2 ـ المدرسة المكية:
احتلَّت هذه المدرسة المكانة في قلوب المؤمنين، الساكنين والثائبين على بلد الله الحرام، الحجاج والعمار والزوار، بل أخذت مكة بألباب كل مؤمن راها أو تمنَّى أن يراها، ولقد كان العلم بمكة يسير زمن الصحابة، ثم كثر في أواخر عصرهم وكذلك في أيام التابعين، وزمن أصحابهم، كابن أبي نجيح، وابن جريج ، إلا أن مكة اختصت
زمن التابعين بحبر الأمة وترجمان القران ابن عباس رضي الله عنهما الذي صرف جل همه، وغاية وسعه إلى علم التفسير، وربى أصحابه على ذلك، فنبغ منهم أئمة كان لهم قصب السبق بين تلاميذ المدارس في التفسير، وقد ذكر العلماء مجموعة من الأسباب أدت إلى تفوق المدرسة المكية في هذا العلم، وأهم هذه الأسباب والأساس فيها: إمامة ابن عباس رضي الله عنهما وأستاذيته لها . ومن أشهر علماء التابعين في المدرسة المكية:
أ ـ مجاهد بن جبر المكي:
أخذ الفقه والتفسير عن ابن عباس وغيره من الصحابة، كان فقيهاً عالماً ثقة من أوعية العلم، وعن مجاهد قال: عرضت القران ثلاث عرضات على ابن عباس، أَقِفُه عند كل اية، أسأله فيم نزلت ؟ وكيف كانت ؟ وقال قتادة: أعلم من بقي بالتفسير مجاهد ، وقال مجاهد: صحبت ابن عمر وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني ، وقدم مجاهد على سليمان بن عبد الملك، ثم على عمر بن عبد العزيز، وشهد وفاته.
وعن مجاهد قال: قال لي عمر بن عبد العزيز في مرض وفاته: يا مجاهد ! ما يقول الناس فيّ ؟ قلت: يقولون: مسحور، قال: ما أنا بمسحور، ثم دعا غلاماً له فقال: ويحك، ما حملك على أن سقيتني السُّمَّ؟ قال: ألف دينار أُعطيتها وأن أُعتق، قال: هاتها، فجاء بها، فألقاها في بيت المال، وقال: اذهب حيث لا يراك أحد.
وقال مجاهد: ما أدري أي النعمتين أعظم، أن هداني للإسلام، أو عافاني من هذه الأهواء . قال الذهبي معلقاً على قول مجاهد: مثل الرّفض والقدر والتجهّم .
وعن عبد الوهاب بن مجاهد، قال: كنت عند أبي فجاء ولده يعقوب، فقال: يا أبتاه، إن لنا أصحاب يزعمون أن إيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد. فقال: يا بني ما هؤلاء بأصحابي، لا يجعل الله من هو منغمس في الخطايا كمن لا ذنب له .ومات مجاهد سنة اثنتين ومئة وهو ساجد ، وكان عمره ثلاثاً وثمانين سنة .
ب ـ عكرمة مولى ابن عباس:
كان مكياً تابعياً ثقة من أعلم التابعين، روى عن ابن عباس وعائشة وأبي هريرة وابن عمر، وابن عمرو، وعقبة بن عامر، وعلي بن أبي طالب، قال: طلبت العلم أربعين سنة، وكنت أفتي بالباب وابن عباس بالدار. وعن عكرمة: أن ابن عباس رضي الله عنهما قال له: انطلق فأفتِ الناس وأنا لك عون، قلت: لو أن هذا الناس ومثلهم مرتين لأفتيتهم. قال ابن عباس: انطلق فأفتهم، فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تُفته، فإنك تطرح عنك ثلثي مؤونة الناس .
وكان عكرمة كثير الأسفار، ونزل على عبد الرحمن الحسّاس الغافقي، وصار إلى إفريقية .
وقد اتهم عكرمة بالصفرية فرقة من فرق الخوارج ولم تثبت هذه التهمة بسند صحيح وإنما بصيغة يقال، وقد دافع علماء الجرح والتعديل عن عكرمة، كأبي حاتم الرازي، وابن حبان، والعجلي، وابن منده وابن عبد البر ونقل ذلك ابن حجر في مقدمة الفتح وقال: لا تثبت عنه بدعة. وقال البخاري: ليس أحد من أصحابنا إلا هو يحتج بعكرمة ، توفي سنة 105 هـ
جـ عطاء بن أبي رباح:
مفتي الحرم وأحد الفقهاء الأئمة، روى عن ابن عباس وأبي هريرة وأم سلمة وعائشة ورافع بن خديج وزيد بن أرقم وابن الزبير، وابن عمرو وابن عمر وجابر ومعاوية وأبي سعيد وعدد من الصحابة .
وكان ثقة فقيهاً عالماً كثير الحديث، انتهت إليه فتوى أهل مكة. قال عنه ابن عباس: يا أهل مكة تجتمعون علي وعندكم عطاء؟! ولسعة علمه وجلالة قدره كانوا في عهد بني أمية يأمرون في الحج منادياً يصيح: لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح، توفي سنة 115 ه .
هؤلاء بعض علماء التابعين من المدرسة المكية الذين نهضوا بعبء الدعوة والتعليم وإتمام البناء العلمي .
يمكنكم تحميل كتاب الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمَّد محمَّد الصَّلابي:
الجزء الأول:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC9(1).pdf
الجزء الثاني:
http://alsallabi.com/uploads/file/doc/BookC139.pdf
كما يمكنكم الاطلاع على كتب ومقالات الدكتور علي محمد الصلابي من خلال الموقع التالي:
http://alsallabi.com