تأملات في الآية الكريمة { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 257
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رمضان 1444ه/ إبريل 2023م
1. قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ}:
أي: واذكر يا محمد - صلّى الله عليه وسلّم - لأمتك، إذ قال الله لإبراهيم {أَسْلِمْ} أي: أخلص دينك وعملك لله، فاستجاب، وأجاب على الفور قائلاً: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. (1)
2. قوله تعالى: {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}:
أي: أخلصت ديني له، وفوّضت أمري إليه، وهذا يشمل إسلام الباطن والظاهر.(2)
و{أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}: أسلمت نفسي وقلبي وجوارحي كلها؛ لربِّ العالمين؛ الذي لا ربّ سواه جلّ وعلا،(3) و{أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}: إخلاصاً وتوحيداً ومحبة وإنابة، فكان التوحيد لله نعته.(4)
و{أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ومعنى ذلك لن يكون وحده في الكون؛ لأنّه إذا أسلم لله الذي سخر له ما في السماوات والأرض، يكون قد انسجم مع الكون المخلوق من الله للإنسان، ومن أكثر نضجاً في العقل ممن يُسلم وجهه لله سبحانه؛ لأنّ يكون بذلك قد أسلمه إلى عزيز حكيم قوي لا يُقهر، قادر لا تنتهي قدرته، غالب لا يغلب، رزاق لا يأتي الرزق إلا منه، فكأنه أسلم وجهه للخير كلّه.(5)
وإن الدين عند الله سبحانه وتعالى منذ عهد آدم إلى يوم القيامة هو الإسلام وإبراهيم - عليه السّلام - يعلمنا كيف يكون الاستسلام والخضوع لله تعالى ولدينه وشرعه، فأين هذا من جحود الجاحدين وعناد المعاندين، الذين سبق الحديث عن مواقف عنادهم وجحودهم.(6)
تبيّن الآية الكريمة مقام إبراهيم- عليه السّلام- في الاستجابة لأمر ربه، وخلوص نفسه إذ أمره بذلك فاستجاب فوراً قائلاً: {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أسلمت أي خلصت نفسي وجعلتها لرب العالمين، أي لخالق العالمين والقائم عليهم وربهم وكالئهم وإن ذلك شكر له، فهو في ذلك شاكر لأنعم الله تعالى كحاله دائما، فهذا النص لبيان مدى استجابة خليل الله تعالى لربّه غير متردد ولا متلكئ. (7)
وإنما كان مسارعاً ومندفعاً لرضا رب العالمين والاستجابة لدينه وشريعته وتوحيده وإفراد العبادة له سبحانه وتعالى.(8)
هذه هي ملة إبراهيم عليه السّلام، الإسلام الخالص الصريح ولم يكتف إبراهيم نفسه، بل وصى بهذه الملة بنيه من بعده جيلاً بعد جيل، ووصى أحفاده وأبناءهم، فمن كفر بها فقد كفر بالله وبوصية إبراهيم وما كان إبراهيم عليه السلام ليرضى عنهم، إذ كفروا بربهم كالمشركين إذ غيّروا وبدّلوا في دين إبراهيم، وكاليهود الذين ادّعوا أن إبراهيم كان يهودياً ولقد ردّ الله تعالى على قولهم بقوله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ]آل عمران:67[.(9)
مراجع الحلقة السابعة والخمسون بعد المائتين:
(1) تفسير الزهراوين البقرة وآل عمران، محمد صالح المنجد، ص224.
(2) المرجع نفسه، ص225.
(3) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (1/199).
(4) تفسير السعدي "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان"، ص94.
(5) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (1/503).
(6) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (1/199).
(7) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (1/414).
(8) في ظلال القرآن، سيد قطب، (1/116).
(9) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (1/415).
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي