الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

تأملات في الأية الكريمة

{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 256

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

17 رمضان 1444ه/ 09 إبريل 2023م

 

ملة إبراهيم عليه السلام هي ملة التوحيد والإسلام وإفراد العبودية لله، وهكذا ارتفع البيت وجعلت في الأرض دعوة التوحيد وملّته وهي ملة إبراهيم عليه السلام الذي جعله سبحانه إمام الموحدين، فما بعث نبي بعده إلا من ذريته داعياً إلى ملته - كما مرّ معنا- فلا ينبغي لأحد أن يرغب عن هذه الملة.(1)

1. قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}:

لقد دعا الله تعالى إلى ملة إبراهيم الناس جميعاً من بعده؛ لأنّها إجابة للفطرة وتنبعث من النفس المستقيمة واتجاه العقل الحكيم.(2)

والاستفهام للاستبعاد والإنكار وفيه توبيخ وتقريع للذين انحرفوا عن ملة التوحيد، كاليهود والنصارى، والمشركين.(3)

والمعنى لا يرغب عن ملة إبراهيم ويتركها متجاوزاً لها إلى غيرها من الأوهام الباطلة إلا من سفه نفسه وقول {وَمَنْ يَرْغَبُ} فيها التجاوز والترك إلى أوهام، ونقيض يرغب عنها: يرغب فيها، فالرغبة فيها إقبال عليها والرغبة عنها تجاوز عنها وترك لها، وهذا يتضمن أمرين؛ أولهما: أنه علمها وكان ينبغي أن يرغب فيها ولكنها تجاوزها وتركها لا عن انصراف مجرد، بل عن قصد وإعراض، وثانيهما: أنه اتجه ورغب في غيرها ونفى الله تعالى الرغبة عنها إلا ممن سفه نفسه.(4)

وقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} جعلها في حمق ورعونة؛ لأنّ النفس الإنسانية المستقيمة تتجه إلى الله لما في داخلها من ينبوع الخير الداعي إلى إدراك الحق المستقيم، فالنفس الإنسانية لو تأملنا في خلقها وتكوينها تهدي وترشد إلى الحق ولقد قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)} ]الذاريات:21-22[.(5)

قال الشنقيطي - رحمه الله-: قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ} الآية لم تبيّن هنا ما ملة إبراهيم، وبيّنها بقوله: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ]الأنعام:61[، فصرّح في هذه الآية بأنها دين الإسلام بعث الله به نبيه محمداً صلّى الله عليه وسلّم، وكذا في قوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} ]النحل:123[، وقال في سورة الحج: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} ]الحج:78[.(6)

وإنَّ ملَّة إبراهيم كانت ملة النبيين؛ لأنّ الله تعالى اختاره للإمامة وابتلاه بالكلمات، ولأنه كان يشكر نعم ربه ولأنه اختاره لبناء البيت، ولأنه اختاره لتعليم مناسك الحج، ولأنه اختاره ليكون أباً الأنبياء ولذلك كله(7) قال تعالى:

2. قوله تعالى: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}

ومعنى اصطفاه الله تعالى، أي اختاره بعد أن ابتلاه بما صفى نفسه وخلصها لله تعالى، وصار ليس في قلبه موضع لغيره فاختاره من بين خلقه خليلا له، وكان أمة وإماما، وكان أواها حليما رجاعا إلى الله تعالى دائما، وأكد سبحانه وتعالى أنه في الآخرة لمن الصالحين، ففي الدنيا اصطفاه، فكان معه فيها على الخير المطلق، وقد ابتلي فأحسن البلاء، وكان صفيا وكان وليا، واختصَّ بأن يكون خليلا .(8)

وقد أكد سبحانه وتعالى أنه في زمرة الصالحين الذين نالوا رضوان الله بقوله: {وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}، فأكد بإنّ الدالة على توكيد الخبر وأكّد بـــ "اللام" في قوله لمن الصالحين، وأكد بتقديم في الآخرة، وذلك التأكيد؛ لأنه من الذين وصلوا إلى أعلى درجات الصلاح، وإن عده من الصالحين يوم القيامة إنما كان لأنه أخلص وأسلم وجهه لله رب العالمين مستجيباً طلب الله تعالى منه، إذ طلب ربه منه أن يكون كله له وحده ولذا قال تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.(9)

مراجع الحلقة السادسة والخمسون بعد المائتين:

( ) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (1/198).

(2) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (1/411).

(3) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (1/198).

(4) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (1/412).

(5) المرجع نفسه، (1/412).

(6) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، (1/86).

(7) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (1/412).

(8) المرجع نفسه، (1/413).

(9) زهرة التفاسير، الإمام محمد أبو زهرة، (1/414).

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022