(إبراهيم عليه السلام يدعو لمكة والرسول يدعو للمدينة)
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 254
بقلم: د. علي محمد الصلابي
رمضان 1444ه/ إبريل 2023م
وبعدما أتمّ إبراهيم الكعبة، دعا الله لها ولأهلها، وجعلها حراماً، يحرم القتال فيها وحرّم صيدها وشجرها، وحدد حدود الحرم، وكان هذا بوحي من الله.
وقد أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن إبراهيم حرّم مكة، ودعا لها وأن رسولنا عليه الصلاة والسلام قد حرم المدينة ودعا لها، روى الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لا تَفْعَلْ، الزَمِ المَدِينَةَ، فإنَّا خَرَجْنَا مع نَبِيِّ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، أَظُنُّ أنَّهُ قالَ، حتَّى قَدِمْنَا عُسْفَانَ، فأقَامَ بهَا لَيَالِيَ، فَقالَ النَّاسُ: وَاللَّهِ ما نَحْنُ هَا هُنَا في شيءٍ، وإنَّ عِيَالَنَا لَخُلُوفٌ ما نَأْمَنُ عليهم، فَبَلَغَ ذلكَ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم، فَقالَ: ما هذا الذي بَلَغَنِي مِن حَديثِكُمْ؟ ما أَدْرِي كيفَ قالَ، وَالَّذِي أَحْلِفُ به، أَوْ وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لقَدْ هَمَمْتُ، أَوْ إنْ شِئْتُمْ لا أَدْرِي أَيَّتَهُما قالَ، لَآمُرَنَّ بنَاقَتي تُرْحَلُ، ثُمَّ لا أَحُلُّ لَهَا عُقْدَةً حتَّى أَقْدَمَ المَدِينَةَ، وَقالَ: اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا، وإنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ حَرَامًا ما بيْنَ مَأْزِمَيْهَا، أَنْ لا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ، وَلَا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إلَّا لِعَلْفٍ.(1)
وروى الإمام مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانَ النَّاسُ إذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاؤُوا به إلى النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فَإِذَا أَخَذَهُ رَسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، قالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا في مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا في صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا في مُدِّنَا، اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وإنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وإنَّه دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وإنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بمِثْلِ ما دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ معهُ، قالَ: ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ له فيُعْطِيهِ ذلكَ الثَّمَرَ .(2)
لقد امتنَّ الله على العرب الكافرين بأنه دعوة إبراهيم للحرم وأهله، فجعل مكة بلداً آمناً مطمئناً وعليهم أن يشكروا الله على هذه النعمة فيؤمنوا به وحده ويتبعوا رسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ]القصص:57[، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} ]العنكبوت:67[.
إذن إبراهيم عليه السلام هو الذي بنى الكعبة بنص الآيات والأحاديث السابقة، ولما انتهى من البناء ودعا الناس إلى الحج، عاد إلى مكان إقامته في فلسطين.(3)
مراجع الحلقة الرابعة والخمسون بعد المائتين:
(1) صحيح مسلم، رقم (1374).
(2) صحيح مسلم، رقم (1373)؛ سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني، رقم (115).
(3) فبهداهم اقتده "قراءة تأصيلية في سير وقصص الأنبياء"، عثمان محمد الخميس، ص181.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي