الأحد

1446-10-29

|

2025-4-27

تأملات في الآية الكريمة

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 241

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

رمضان 1444ه/ مارس 2023م

 

قوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ} أي: واذكر يا محمد صلّى الله عليه وسلّم، إذ قال إبراهيم في دعائه.

وقوله: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا} أي: الوادي المهجور الخالي الذي ليس فيه زرع ولا ماء ولا بناء.

وقوله: {بَلَدًا}: "البلد" اسم لكل مكان مسكون، سواء كان صغيراً أو كبيراً.

وقوله: {آَمِنًا} أي: ذا أمن، يأمن أهله فيه من القحط والخسف والقتل والسّلب والنّهب والرعب والخوف والمسخ والجوع ونحو ذلك.

وقد استجاب الله دعاء إبراهيم فجعل مكة بلداً آمناً، وهذا في الأعم الأغلب على مرّ العصور وكرّ الدهور، ولا ينافي ذلك ما وقع في مكة من حوادث قليلة تعكّر هذا الأمن، والقاعدة تبقى قاعدة، وإن وُجد لها شواذ؛ لأن الحكم للأعمّ الأغلب، فإن مكة - شرّفها الله- كانت آمنة في غالب الأزمان التي مرَّت عليها، هذا من الناحية القدرية، وأما من الناحية الشرعية، فإن الله أوجب علينا أن نحفظ الأمن في مكة ولا نُفسده ونعتني به أكثر مما نعتني به في الأماكن الأخرى(1).

ولقد كانت دعوة إبراهيم هذه من جوامع كلم النبوة، فإن أمن البلاد والسبل يستتبع جميع خصال سعادة الحياة، ويقتضي العدل والعزة والرخاء إذ لا أمن من دونها وهو يستتبع التعمير والإقبال على ما ينفع، وإنما أراد بذلك تيسير الإقامة فيه على سكانه لتوطيد وسائل ما اختاره لذلك البلد من كونه منبع الإسلام(2).

وقوله: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ} أي: أعط ساكنيه والمقيمين فيه.

وقوله:{مِنَ الثَّمَرَاتِ}: والثمرات ما تحمل به الشجرة وتنتجه مما فيه غذاء للإنسان أو فاكهة له.. وفي هذا دعاء لهم بالرفاهية وتوفر أسباب الإقامة حتى لا تطمح نفوسهم للارتحال عنه؛ لأنّه رجا أن يكونوا دعاة لما بنيت الكعبة لأجله من إقامة التوحيد وخصال الحنفية وخص إبراهيم عليه السلام المؤمنين بطلب الرزق لهم حرصاً على شيوع الإيمان لساكنيه(3).

وقد فعل الله سبحانه ذلك، فالثمار تأتي إلى مكة من مختلف بقاع الأرض القريبة والبعيدة، كما قال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ]القصص:57[(4).

وقوله: {مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}: والإيمان بالله يتضمن الإيمان بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، و{وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}: هو يوم القيامة وسُمي آخراً؛ لأنّه لا يوم بعده(5)، أي: ارزق المؤمنين بالله واليوم الآخر خاصة؛ ليستعينوا بالرزق على طاعة الله(6).

ولكن الله تعالى قدّر أن يكون الرزق في الدنيا لجميع الناس، مؤمنهم وكافرهم، كما في قوله تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} ]الإسراء:20[، ولهذا قال الله تعالى تعقيباً على دعوة إبراهيم عليه السّلام(7).

 

مراجع الحلقة الحادية و الأربعون بعد المائتين:

(1) تفسير الزهراوين البقرة وآل عمران، محمد صالح المنجد، ص219.

(2) منهج الدعوة إلى العقيدة في ضوء القصص القرآني، منى عبد الله بن داود، ص94.

(3) تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، (1/715-716) بتصرف.

(4) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (1/193).

(5) قصص القرآن، محمد بن صالح العثيمين، ص68.

(6) تفسير الزهراوين البقرة وآل عمران، محمد صالح المنجد، ص219.

(7) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (1/193).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022