الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}

تأملات قرآنية من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 243

بقلم: د. علي محمد الصلابي

5 رمضان 1444ه/ 27 مارس 2023م

 

أمر الله إبراهيم عليه السلام أن يبني الكعبة المشرفة بيت الله الحرام، فتوجّه إلى مكة، حيث يقيم ابنه إسماعيل عليهما السّلام، وقال له: إن الله يأمرني بأمر، قال: إسماعيل: اصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: إسماعيل: وأعينك، قال: إن الله أمرني أن ابني هاهنا بيتاً وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(1).

1. {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ}:

أيّ: اذكر عندما كان إبراهيم وإسماعيل عليه السلام يبنيان البيت الحرام على قواعده وأساسه فالقواعد جمع قاعدة وهي الأساس ورفع القواعد: البناء عليها.

وليس في الآية تصريح بمن وضع القواعد، هل كان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أم كانت موجودة قبلهما، الله سبحانه أعلم، لكن الحديث الشريف يشير إلى إبراهيم عليه السلام، فعن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: أَلَمْ تَرَيْ أنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوُا الكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عن قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ؟ فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَلَا تَرُدُّهَا علَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ؟ قالَ: لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بالكُفْرِ لَفَعَلْتُ"(2).

ويكشف لنا السّياق القرآني في الآية الكريمة عن فعل إبراهيم وإسماعيل في بناء الكعبة ويرينا إياهما كما لو كانت رؤية العين لا رؤيا الخيال، إنهما أمامنا حاضران، نكاد نسمع صوتهما يبتهلان(3).

2. {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}:

إنه طلب القبول، هذه هي الغاية، فهو عمل خالص لله، الاتجاه به قنوت وخشوع إلى الله، والغاية المرتجاة من ورائه هي الرضى والقبول والرجاء في قبوله، متعلق بأن الله سميع للدعاء عليم بما وراءه من النية والشعور(4).

تبيّن الآية الكريمة أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كانا يعملان وهما في حالة خشوع وخضوع لله عزّ وجل يستشعران أنهما يقومان بعبادة من أعظم العبادات ويتقربان إليه تعاني بقربة من أجل القربات، ومع ذلك فخشية الله تعالى تملأ قلبهما حتى إنهما يسألانه أن يتفضل بقبول عبادتهما، فما أعظم خشوعهما وخضوعهما عليهم السلام، ومع كل هذا الخضوع والخشوع يسألانه سبحانه المزيد منه، فكمال الإنسان بكمال عبوديته لله تعالى واستسلامه لأمره وحكمه(5).

كما تبيّن الآية الكريمة معرفة إبراهيم وإسماعيل بالله عزّ وجل من خلال أسمائه الحسنى، وتعلمنا كيفية التعامل مع اسمه السميع العليم، مع توكيدهما بأن الله يسمع ويعلم حال جميع مخلوقاته سبحانه وتعالى.

وقد قال أبو حيان في البحر المحيط في قوله تعالى: {إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}: وهاتان الصفتان مناسبتان هنا غاية التناسب، إذ صدر منهما عليهما السلام عمل وتضرع، فهو سبحانه {السَّمِيعُ} لضراعتهما، وهو سبحانه {الْعَلِيمُ} بنيّاتهما في إخلاص العمل(6).

• اسم الله السميع:

ورد اسمه سبحانه {السَّمِيعُ} في القرآن الكريم خمساً وأربعين مرة، من ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ]الشورى:11[، وقوله عزّ وجل: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ]البقرة:127[.

قال السعدي - رحمه الله - عن اسم الله السميع: ومن أسمائه الحسنى السميع الذي يسمع جميع الأصوات باختلاف اللغات، وتفنن الحاجات، فالسّرّ عنده علانية، والبعيد عنده قريب، وسمعه نوعان؛ أحدهما: سمعه لجميع الأصوات الظاهرة والباطنة، الخفية والجلية وإحاطته التامّة بها، والثاني: سمع الإجابة منه للسائلين والداعين والعابدين، فيجيبهم ويثيبهم، ومنه قول الله تعالى: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} ]إبراهيم:39[، وقول المصلي بعد ركوعه: سمع الله لمن حمده، أي: استجاب(7).

• اسم الله العليم:

ورد اسم الله العليم في القرآن الكريم مائة وسبعاً وخمسين مرة، من ذلك قوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ]المائدة:97[، وقوله تعالى: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} ]البقرة:32[.

قال السعدي - رحمه الله - عن اسم الله العليم: وهو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان، وبالواجبات والمستحيلات والممكنات وبالعالم العلوي والسفلي والماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء، فهو الذي علم الإنسان ما لم يعلم(8).

 

مراجع الحلقة الثالثة و الأربعون بعد المائتين:

(1) صحيح البخاري، رقم (3363).

(2) صحيح مسلم، رقم (1333)؛ التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (1/194).

(3) في ظلال القرآن، سيد قطب، (1/114).

(4) في ظلال القرآن، سيد قطب، (1/114).

(5) التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم، (1/194).

(6) البحر المحيط في التفسير، أبو حيّان الأندلسي، (1/388).

(7) ولله الأسماء الحسنى، عبد العزيز ناصر الجليل، ص617.

(8) المرجع نفسه، ص333.

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022