تأملات في الآية الكريمة {وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ...}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 245
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رمضان 1444ه/ مارس 2023م
والذرية هم الأبناء وأبناء الأبناء أي الأجيال القادمة، فهي نظرة مستقبلية وحرص على أن يبقى التوحيد قائماً ببقاء الموحدين على الأرض عبر التاريخ، وفي الدعاء طلب من الله بأن يعجل ذريتهم أمة مستسلمة لأمره سبحانه وتعالى خاضعة لطاعته وشرعه وسلطانه وأحكامه منقادة لأوامره وهذا هو دين الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم.(1)
إنّ هذا الدعاء فيه الرجاء على العون من ربهما في الهداية إلى الإسلام والشعور بأن قلبيهما بين أصبعين من أصابع الرّحمن، وأن الهدى هداه وأنه لا حول لهما ولا قوة إلا بالله، فهما يتجهان ويرغبان، والله المستعان إليه سبحانه،كما بيّن الدعاء طابع الأمة المسلمة، وهو تضامن الأجيال في العقيدة{وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}.
وهي دعوة تكشف عن اهتمامات القلب المؤمن، إن أمر التوحيد والاستسلام لله وأحكامه هو شغله الشاغل، وهو همه الأول وشعور إبراهيم وإسماعيل - عليهما السّلام - بقيمة النعمة التي أصبغها الله عليهما، نعمة الإيمان، تدفعهما إلى الحرص عليهما في عقبهما، وإلى دعاء الله ربهما ألا يحرم ذريتهما هذا الإنعام الذي لا يكافئه إنعام.
لقد دعوا الله تعالى ربهما أن يرزق ذريتهما من الثمرات ولم ينسيا أن يدعواه ليرزقهم من الإيمان، وأن يريهم جميعاً مناسكهم، ويبين لهم عبادتهم، وأن يتوب عليهم إنما هو التواب الرحيم.(2)
لقد كان دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أن يجعل الله لهما من ذريتهما وأولادهما جماعة مسلمة لله عزّ وجل منقادة لأمره خاضعة لعظمته سبحانه وتعالى، و{وَمِنْ} هنا تبعيضية، ولم يعمّمها - عليهما السلام - وذلك أدباً مع الله الذي سبق وقال لإبراهيم {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}، وهذا أيضاً من تعليم الله لهما وبتنويره قلوبهما أن من ذريتهما المسلم المحسن والكافر الظالم لنفسه، لذا دعوا هنا بالتبعيض.(3)
وفي قوله {أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} أي: كل على عقيدة التوحيد وإفراد العبادة لك وحدك، وأما وصف الأمة فهو الإسلام والانقياد لله وحده لا شريك له(4).
مراجع الحلقة الخامسة و الأربعون بعد المائتين:
(1)ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص228.
(2) في ظلال القرآن، سيد قطب، (1/115).
(3) من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، محمد فؤاد سندي، ص220.
(4) وجوه البيان في دعاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، سميرة عدلي محمد رزق، ص220.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي