الإثنين

1446-10-30

|

2025-4-28

تأملات في الآية الكريمة:

{وَتُبْ عَلَيْنَا...}

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 247

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

8 رمضان 1444ه/ 31،مارس 2023م

 

أي: سامح لنا تقصيرنا في طاعتك وتجاوز عنّا؛ وذلك لأن العبد وإن اجتهد في طاعة ربه، فإنه لا ينفك عن التقصير من بعض الوجوه، إما على سبيل السهو أو على سبيل ترك الأولى، فالدعاء منهما، عليهما السلام، لأجل ذلك {وَتُبْ عَلَيْنَا} فهما معصومان على نبينا وعليهما الصلاة والسلام، وقيل: تُب على ظلمة أولادنا حتى يرجعوا إلى طاعتك، وقيل: إنهما أرادا أن يسُنا للناس ويعرّفاهم أن بيت الله وما يتبعه من المناسك والمواقف، هي أمكنة التخلص من الذنوب وطلب التوبة من علّام الغيوب(1).

لقد جاء في موضع التوبة، أنّها تختلف مقامات التائبين، فتوبة سائر المسلمين الندم على الذنب الماضي والعزم على تركه تركاً نهائياً ورد المظالم، أما توبة الخواص منهم فهي رجوع عن المكروهات من خواطر السوء في الأعمال أو التقصير في العبادات وعدم أدائها على وجه الكمال، وتوبة ثالثة هي توبة خواص الخواص، وهؤلاء تكون توبتهم لرفع درجاتهم وللترقي في مقاماتهم، فإن كان النبيان عليهما السلام طلبا التوبة لأنفسهما خاصة فالمراد بها هو توبة هذا القسم الثالث(2).

والمقصود بطلب التوبة في حق إبراهيم وإسماعيل - عليهما السّلام - هو الرغبة منهما في رفع درجاتهما، وارتقائهما المقامات، وهذا هو شأن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهي من وجه آخر تربية خلقية وتأديب واضح توجهت إليه آيات القرآن الكريم؛ ليكون سلوكاً قويماً، يجب أن يسلكه كل مسلم حريص على الخير لنفسه وذريته(3).

 

وإن التوبة ركن أساس من أركان السلوك، ولها أنواع، نذكر منها:

- توبة الإنابة: وهي أن تخاف من الله من أجل قدرته عليك.

- وتوبة الاستجابة: أن تستحي من الله لقربه منك.

- والتوبة الصحيحة: هي إذا اقترف العبد ذنباً تاب عنه بصدق الحال.

- والتوبة الفاسدة: هي التوبة باللسان مع بقاء لذة المعصية في الخاطر.

- والتوبة النصوح: هي تنزيه القلب عن الذنوب وعلاماتها: أن يكره العبد المعصية ويستقبحها، فلا تخطر على بال ولا ترد في خاطره أصلاً(4).

وقال الإمام النووي - رحمه الله - التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت بين العبد وبين الله تعالى، فلها شروط ثلاثة:

 أن يقلع عن المعصية.

 أن يندم على فعلها.

 أن يعزم على ألا يعود إليها أبداً.

فإن كان الذنب يتعلق بحق آدمي، فعليه أن يتبرأ من حق صاحبه، وذلك برَدّه إليه، أو طلب عفوه أو أن يستحلّه منه، إذا لم يترتب على ذلك مفسدة أعظم(5).

وإبراهيم وإسماعيل - عليهما السّلام - يعلّمان أتباع ملة إبراهيم - عليه السّلام - كيف يكون التأدب في العلماء مختتماً بما يدعو إلى إجابته، وتقبله إذ جاء في ختام هذه الآية.

 

مراجع الحلقة السابعة و الأربعون بعد المائتين:

(1) من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، محمد فؤاد سندي، ص224.

(2) وجوه البيان في دعاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، سميرة عدلي محمد رزق، ص221.

(3) المرجع نفسه، ص221.

(4) كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، محمد علي التهانوي، (1/231).

(5) رياض الصالحين من حديث سيد المرسلين، الإمام النووي، ص11، بتصرف.

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022