تأملات في الآية الكريمة
{إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 248
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
10 رمضان 1444ه/ 1 إبريل 2023م
فالجملة تحتوي على كل ما يؤكد معناها، فهذا حرف التوكيد "إن" مقروناً بكاف الخطاب، ثم يليها الضمير {أَنْتَ}، ثم الصفتان المبالغ فيهما {التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، فالتوّاب صيغة مبالغة من تاب، فهي على وزن فعّال، ويقال لله عزّ وجل توّاب لكثرة قبوله التوبة من عباده حالاً بعد حال، والرحيم هو كثير الرّحمة أيضاً، صيغة مبالغة على وزن فعيل وهي صفة يمكن أن تكون لله عزّ وجل أو للبشر، جاء في وصف الرسول صلّى الله عليه وسلّم {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ]التوبة:128[، وقد قيل إن الله تعالى رحمان بالدنيا ورحيم الآخرة؛ وذلك لأنَّ إحسانه في الدنيا يعم المؤمنين والكافرين وفي الآخرة يختص بالمؤمنين.(1)
وقد قدّمت صفة {التَّوَّابُ} على صفة {الرَّحِيمُ} في السياق القرآني؛ لأن {التَّوَّابُ} مناسبة لقوله: {وَتُبْ عَلَيْنَا}، مناسبة للفاصلة السابقة لها واللاحقة بها في السورة الكريمة.(2)وكذلك تأخير صفة الرّحمة مناسب لعمومها فالتوبة من الرّحمة والرّحمة أعمّ منها.(3)
أ- اسم الله {التَّوَّابُ}:
ورد اسمه سبحانه {التَّوَّابُ} في إحدى عشرة آية في القرآن الكريم، منها تسع آيات اقترن فيها باسمه {الرَّحِيمُ}، كما في قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} ]البقرة:37[.
وقال ابن قيّم الجوزية:
وكذلك التواب من أوصافه
والتّوب في أوصافه نوعان
إذن بتوبة عبده وقبولهـــــــــــــــــــــا
بعد المتاب بمنة المنـــــــــــــــــــــــان(4)
وبيّن في موطن آخر المقصود من هذين البيتين بقوله: فتوبة العبد محفوفة بتوبة الله تعالى عليه قبلها، وتوبة ثانية منه عليه قبولاً ورضا، فله الفضل في التوبة والكرم أولاً وآخراً لا إله إلا هو.(5)
ويؤكد هذا المعنى الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى- بقوله: فهو التائب على التائبين أولاً: بتوفيقهم للتوبة، والإقبال بقلوبهم إليه، وهو التائب على التائبين بعد توبتهم قبولاً لها وعفواً عن خطاياهم.(6)
ووصف الله سبحانه نفسه بالتوّاب؛ لكثرة من يتوب عليه، ولتكريره ذلك في الشخص الواحد حتى يقضى عمره.(7)
ب- اسم الله {الرَّحِيمُ}:
وأما اسمه {الرَّحِيمُ}، فقد جاء في (123) موضعاً في القرآن الكريم، أكثرها كان مقترناً باسمه سبحانه {الغَفُورٌ}.
ومن ذلك قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ]المزمل:20[، وقوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} ]الأحزاب:34[، وقوله تبارك تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ]الفاتحة:2[، وقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} ]الشعراء:191[.(8)
والرحيم: هو الذي يرحم عباده بنعمته، ويفيض عليهم برحمته.(9)
ومن رحمته سبحانه مغفرته لذنوب عباده، والصفح عنهم، وتكفير سيئاتهم، وفتح باب التوبة لهم.(10)
مراجع الحلقة الثامنة و الأربعون بعد المائتين:
(1) وجوه البيان في دعاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، سميرة عدلي محمد رزق، ص221.
(2) المرجع نفسه، ص222.
(3) من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، محمد فؤاد سندي، ص224.
(4) نونية الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، ابن قيّم الجوزية، (2/231).
(5) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، ابن قيم الجوزية، (1/339)، (20/273).
(6) ولله الأسماء الحسنى، عبد العزيز ناصر الجليل، ص582.
(7) المرجع نفسه، ص582.
(8) ولله الأسماء الحسنى، عبد العزيز ناصر الجليل، ص118.
(9) تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، (24/115125).
(10) ولله الأسماء الحسنى، عبد العزيز ناصر الجليل، ص134.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي