تأملات في الآية الكريمة {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ... }
من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
الحلقة: 249
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي
رمضان 1444ه/ إبريل 2023م
1. قوله تعالى: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ}:
أيّ: يقرأ آيات القرآن الكريم، من تلا يتلو تلاوة، يبيّن حروفه ويفصح عن ألفاظه، ويتأنى في أدائه ويرتله عليهم ترتيلاً، فيوفقهم بقراءته على كيفية تلاوته وأدائه، وجملة {يَتْلُو} في موضع نصب صفة "لرسول"، وقيل: هي في موضع نصب حال من {رَسُولًا}؛ لأنه قد وصف بقوله {مِنْهُمْ}، فتخصصت النكرة بالوصف فصحّ مجيء الحال منها.
وقد أوتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم القرآن الكريم وهو: الكلام المنزل من عند الله تعالى بواسطة جبريل عليه السلام على الرسول، وهو المتعبد بتلاوته، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر بلا شبهة فيه، المعجز بسورة من مثله، المجمع عليه، وأمر الله تعالى رسوله صلّى الله عليه وسلّم بأن يتلو القرآن على نفسه، وعلى قومه، وعلى الناس، قال تعالى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ} ]النمل:91-92[.(1)
2. قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}:
معطوف على {يَتْلُو عَلَيْهِمْ} والمراد بالكتاب القرآن الكريم، وقد خُص بالكتاب المنزّل على محمد صلّى الله عليه وسلّم، فصار له كالعلم كما أن التوراة أنزل على موسى والإنجيل على عيسى عليهما السّلام، وتسمية هذا الكتاب قرآناً من بين كتب الله؛ لكونه جامعاً لثمرة كتبه، بل لجمعه ثمرة جميع العلوم، فالرسول يعلّم قومه معاني القرآن، ويبين لهم وجوه أحكامه؛ حلاله وحرامه، ومفروضه ومسنونه، ومواعظه وأمثاله، وترغيبه وترهيبه، والحشر والنشر، والعقاب والثواب، والجنة والنار.(2)
وكان ترتيب التعليم بعد التلاوة؛ لأنه أول ما يقرع السمع هو التلاوة والتلفظ بالقرآن، ثم بعد ذلك نتعلم معانيه، ويتدبر مدلوله واسند التعليم للرسول الكريم؛ لأنه هو الذي يُلقي الكلام إلى المتعلم، فيعلّمه ويفهّمه ويتلطف في إيصال المعنى إلى فهمه.
هذا وفي "التلاوة" إشارة إلى "فن القراءة" وما يتعلق به، وفي "التعليم" إشارة إلى "فن التفسير" وما يتعلق به من توضيح المجمل والمشكل والمبهم والمقادير، والإعداد في الفرائض والنوافل، قال تعالى: {وَالْحِكْمَةَ} أي: ويعلمهم الرسول السنة، ويبين لهم أحكام الشريعة، وفي "الحكمة" إشارة إلى "فن التحديث" وما يتعلق به، وكل كلمة وعظتك أو دعتك إلى مكرمة، أو نهتك عن قبيح فهي حكمة. (3)
3. قوله تعالى: {وَيُزَكِّيهِمْ}
أي: يُطهرهم الرسول باطناً وظاهراً، باطناً من أرجاس الشرك وأنجاس الشك، وظاهراً بالتكليف التي تمحص الآثام وتوصل الإنعام.(4)
قال ابن عباس رضي الله عنهما: التزكية: الطاعة والإخلاص، وقيل: يأخذ منهم الزكاة التي تكون سبباً لتطهيرهم، وقيل: يدعوهم إلى ما يصيرون به أزكياء أتقياء، وقيل: يشهد لهم بالتزكية، من تزكية العدول، هذا في {وَيُزَكِّيهِمْ} إشارة إلى "علم العقائد".(5)
والتزكية في قوله {وَيُزَكِّيهِمْ} أي التطهير من الشرك وسائر المعاصي، وبزكاة النفس وطهارتها يصير الإنسان مستحقاً في الدنيا الأوصاف المحمودة في الآخرة والأجر والثواب، وذلك بأن يتحرى الإنسان ما فيه تطهيره وذلك ينسب تارةً إلى العبد، لكونه مكتسباً لذلك، وعليه قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} ]الشمس:9[، وتارةً ينسب إلى الله تعالى؛ لكونه فاعلاً لذلك في الحقيقة، قال تعالى: {بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} ]النساء:49[، وتارةً ينسب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لكونه واسطة في وصول ذلك إليهم فقال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ]التوبة:103[.(6)
مراجع الحلقة التاسعة و الأربعون بعد المائتين:
(1) من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، محمد فؤاد سندي، ص227.
(2) المرجع نفسه، ص228.
(3) البحر المحيط في التفسير، أبو حيّان الأندلسي، (1/393).
(4) المرجع السابق، أبو حيّان الأندلسي، (1/393).
(5) من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، محمد فؤاد سندي، ص228.
(6) من لطائف التعبير القرآني حول سير الأنبياء والمرسلين، محمد فؤاد سندي، ص228.
يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ
من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي