الأحد

1446-10-29

|

2025-4-27

تأملات في الآية الكريمة {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}:

من كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

الحلقة: 236

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

شعبان 1444ه/ مارس 2023م

 

المقامُ في اللغة: بفتح الميم، هو موضع القدمين، من قام يقوم يكون مصدراً واسماً للموضع، ومقام إبراهيم هو الحجر الذي قام عليه نبي الله إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسّلام - حين ارتفع بناؤه للبيت، وشق عليه تناول الحجارة، فكان يقوم عليه وبين وإسماعيل عليه السلام يناوله الحجارة.

وقام عليه أيضاً للنداء والأذان في الحج في الناس، وفي هذا الحجر المكرّم أثر قدمي إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، حيث جعل الله تعالى تحت قدميه من ذلك الحجر في رطوبة الطين، حيث غاصت فيه قدماه ليكون ذلك آية بينة ظاهرة، وهو الحجر الذي يعرفه الناس إلى اليوم عند الكعبة المشرّفة الذين يُصلون عنده ركعتي الطواف، وهذا القول في التعريف بمقام إبراهيم هو القول المصحّح عند جمهور العلماء والمفسّرين المحققين(1).

وهناك أقوال أخرى في المراد من {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} مروية عن بعض المفسرين المتقدمين، أذكرها - وإن كانت مرجوحة - لاستيفاء القول، فقيل: هو عرفة ومزدلفة والجمار، وقيل: هو الحرم كله، ومما يدل على صحة القول الأول الذي عليه الجمهور: أنّ الله تعالى أمرنا بفعل الصلاة خلف المقام في قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ]البقرة:126[،وليس في الصلاة تعلّق بالحرم ولا سائر المواضع التي ذكرت في الأقوال الأخرى(2).

وروى أنس بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: وافقت ربي عزَّ وجل في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى، فأنزل الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}...(3).

وصلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم خلف المقام، كما في حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم في صحيحه في صفة حج النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: فَرَمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، فجعل المقام بينه وبين البيت، فدل على أن مراد الله تعالى بذكر المقام هو الحجر(4).

إنّ هذا الاسم في العُرف مُختص بهذا الحجر؛ ولأن الحجر صار تحت قدميه في رطوبة الطين حين غاصت فيه رجلاه، وفي ذلك معجزة له، فكان اختصاصه به أقوى من اختصاص غيره، فكان إطلاق هذا الاسم عليه أولى(5).

قيام إبراهيم على المقام للأذان بالحج:

إنّ هذا الحجر المكرّم {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} الذي قام عليه إبراهيم الخليل لبناء البيت، هو نفسه الذي قام عليه حين أمر بالأذان بالحج، ولا مانع من تكرّر صعوده على المقام مرة للبناء، وأخرى للنداء وهو صريح الروايات في ذلك، ففي فتح الباري للحافظ بن حجر رحمه الله تعالى: زاد في حديث عثمان: فلما فرغ إبراهيم من بناء الكعبة، جاء جبريل فأراه المناسك كلها، ثم قام إبراهيم على المقام فقال: يا أيها الناس أجيبوا ربكم، فوقف إبراهيم وإسماعيل تلك المواقف(6).

وروى الفاكهي، بإسناد صحيح من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: قام إبراهيم عن الحجر فقال: يا أيّها الناس، كتب عليكم الحج فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأجابه من آمن، ومن كان سبق في علم الله أنه يحجّ إلى يوم القيامة لبيك اللهم لبيك(7).

 

مراجع الحلقة السادسة والثلاثون بعد المائتين:

(1) فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم وذكر تاريخهما وأحكامهما الفقهية وما يتعلق بهما، سائد بكداش، ص102.

(2) المرجع نفسه، ص102.

(3) صحيح البخاري، كـ الصلاة، باب (32)، صحيح مسلم، رقم (24).

(4) فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، (2/299).

(5) البحر المحيط في التفسير، أبو حيّان الأندلسي، (1/381).

(6) فضل الحجر الأسود ومقام إبراهيم، سائد بكداش، ص107.

(7) أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه، الفاكهي، (1/446).

 

يمكنكم تحميل كتاب إبراهيم خليل الله دَاعِيةُ التَّوحِيدِ وَدينِ الإِسلَامِ وَالأُسوَةُ الحَسَنَةُ

من الموقع الرسمي للدكتور علي الصَّلابي


مقالات ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة © 2022